الفرق بين الرعاية والتربية

ذات يوم وصلني مقطع فيديو على الواتس أب، استوقفني وشدني كثيراً، وكان محتواه رجل تتضح عليه سمات الدين والوقار والهيبة والحكمة، وكان يجلس بين أفراد قبيلته، وكان يلقي لهم كلمات نصح وإرشاد، كلمات تكتب وتسَطر بماء الذهب، ولكن للأسف لم أعرف اسمه لأنه لم يذكره.

كان حديثه يدل على علمه وتخصصه وفنه وإتقانه واحترافيته، وقد قال ضمن ما قال في سياق حديثه: إذا أردت أن تربي ابنك فلا تعوده على السب والشتم وتذله وتنزل من كرامته، فتضعف شخصيته وتهتز ثقته في نفسه، فيسهل استدراجه.

وذكر من خلال خبرته أن الأب أحياناً يكون سبباً في تحطيم ابنه، فيجب أن لا نحطم الابن، ولابد أن نسلمه مسؤوليات وصلاحيات ونتحدث معه بالحديث الحسن، ولابد أن نكسب صداقته.

وذكر أن سبب ضعف بعض الأبناء في أيدي المروجين ورفقاء السوء هو الجفاف العاطفي الرهيب من الأب تجاه ابنه، فيفتح المجال لغيره من الناس السيئين لاحتواء ابنه، وهذا ما يسمى أيضاً بالجوع العاطفي لدى الأبناء.

وذكر أن هناك فرقاً بين مصطلح الرعاية ومصطلح التربية، فالرعاية تقدم - أكرمكم الله - للحيوان والإنسان على السواء، مثل السكن والمأكل والمشرب والرعاية الصحية، فلو افترضنا أن لديك أحد الأنعام فستوفر له المسكن «حوش» والمأكل والمشرب والرعاية الصحية، فمثلاً إذا مرض ستذهب به إلى الطبيب البيطري، والإنسان نفس الفكرة إذا كان المقصود هو الرعاية فقط.

أما التربية فهي خاصة بالبشر وتعني زرع الوازع الديني والقيم والمبادئ والأخلاق، والعمل على تعديل السلوك، فالتربية من وجهة نظره باختصار تقوم على أربعة أمور: زرع القيم والمبادئ والأخلاق، تعديل السلوك السلبي، تعزيز السلوك الإيجابي، الاحتواء الحسي والمعنوي.

وذكر أن من أسباب انحراف الأبناء مثلاً نحو المخدرات، أن الابن إما أن يكون محبطاً ومحروماً أو مُرفهاً ومُدلعاً، فتحطيم الابن وإنزاله عند مستوى البهيمة مثلاً بمناداته أكرمكم الله بـ «ياحمار - ياكلب» هذا خطأ كبير وفادح، كذلك ترفيه الابن وتدليعه وتوفير كل ما يطلب أيضاً خطأ كبير.

وذكر سراً من أسرار عمله في الميدان وهو أن من يأتي له كمنحرف من الشباب ووقع في المخدرات يكون في الغالب واحد من اثنين: الأول ابن أكبر جاء ووالداه في قوة شبابهما وأول تجربة لهما في التربية فكانا يجبرانه ويضغطانه ويحطمانه، وهذا الأسلوب يعطي الابن نفسية وشخصية ضعيفة فتسهل قيادته من غيره من رفقاء السوء والمروجين، والثاني ابن أصغر بين إخوته فهذا ينال الدلال والترفيه ويترك على راحته، وفعلاً يأخذ راحته وينجرف للانحراف ويقع فريسة سهلة للمروجين ورفقاء السوء.

فلابد من اللطف واللين والعطف والرحمة والشفقة على الأبناء؛ ولا نعني بذلك فقدان الحزم؛ فالحزم مطلوب، والعطف واللين كذلك مطلوب، ولكن بشكل متوازن.

فلا بد أن يكون للأبناء جدول يومي لوقت الدراسة والخروج من المنزل والجلوس مع الأسرة واستخدام الأجهزة الإلكترونية، ولابد أن يحضر الابن مع والده للمناسبات ويتعلم العادات والتقاليد والآداب الطيبة، وعلى الأب أن يحرص على عدم ترك ابنه فترات طويلة أمام الألعاب الإلكترونية، فهي إحدى أسباب تدمير الابن في المجتمع، حيث لوحظ في الآونة الأخيرة أن مجالس الناس الطيبين تفتقد لوجود الأبناء في مجالسهم مع أنها أحد منابع التعلم والشهامة والرجولة.

أما فيما يخص معالجة المشاكل فلو افترضنا مثلاً أن الأب اكتشف وجود مشكلة مثل التدخين أو المخدرات لدى ابنه؛ فلا بد أن يتفهم المشكلة فلدينا في المجتمع ولله الحمد عيادات متخصصة وكبار المستشارين ولدينا الطب المتقدم، ولا داعي أيها الأب للقلق أو أنك تضرب أو تسجن أو تتخذ مع الابن أسلوب التحطيم واليأس؛ فهذا قد يزيد المشكلة لتصبح مشكلة أكبر، وسيجد الابن من رفقاء السوء من يستقبله ويستغله ويكمل تدميره، فالخطأ موجود منذ أن خلق الله الخليقة ولكن الاحتواء مطلوب.

وفي الختام، تمنيت أني لو كنت أعرف ذلك الرجل الفاضل لأقبَل جبينه.

 

د. ناصر برجس بن مطلب المطلب

عضو الجمعية السعودية للعلوم التربوية والنفسية 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA