«عظام الكلاب» هل تقود إلى علاج السرطان

 

 

 

يتساءل كثير منا عن سبب تزايد بعض الأمراض في الآونة الأخيرة وتحديدا الأنواع القاتلة منها كالسرطان!

الأسباب كثيرة، لكن أحدها التطور الطبي مقارنة بالماضي، والذي سهل الكشف عن هذه الأمراض في أوقات مبكرة، فتم التعرف عليها وتصنيفها ضمن الأمراض المسببة للوفاة.

السبب الآخر هو أن هذه الأمراض أغلبها مرتبط بفترة الشيخوخة والتقدم في السن.

بعض الأمراض التي كانت تصنف على أنها أمراض قاتلة بصفة حتمية أصبحت بفضل التقدم العلاجي أمراضا مزمنة يمكن التعايش معها بالعلاج والتثقيف مثل أمراض القلب والسكري، لكن لا يزال هناك أمراض يستحيل التكيف والتعايش معها مثل بعض أمراض السرطان.

السرطان عبارة عن نمو غير منتظم للخلايا ينتج عنه خلايا مشوهة لا تفكر إلا بنفسها، هذه الخلايا تستهلك الغذاء والطاقة وتسحق الخلايا السليمة وتكوِّن أوراماً في أماكن متعددة بالجسم، وهناك أنواع عديدة من السرطانات حسب العضو المصاب.

هناك أمراض سرطانية وراثية مثل سرطان الثدي والمبايض، ناتجة عن خلل بسيط في تسلسل الحمض النووي «طفرات» في الجين «BRAC1» و«BRAC2» تتسبب في تمرد هذه الخلايا، أيضا ليس كل سرطان ثدي يستجيب لنفس العلاج، لاختلاف العوامل والأعراض بين الأشخاص المصابين.

من الممكن حماية الأفراد ذوي التاريخ العائلي من هذه السرطانات الوراثية عن طريق علم الوراثة السريرية الإكلينيكية، الذي يدرس تاريخ العائلة ويقوم باختبار بسيط باستخدام تفاعل البوليمراز المتسلسل «PCR» المتوفر في العديد من مراكز الأبحاث بالمملكة للكشف عن هذه الطفرات ثم يتم اتخاذ الإجراءات اللازمة لحماية الفرد.

من الأمور التي لا يعرفها الكثيرون أن هناك علاجات فعالة ضد أنواع من الأمراض السرطانية؛ كمرض ابيضاض الدم النقوي المزمن «CML» وهو سرطان دم ناتج عن اختلال كروموسومي يسمى «اختلال فيلادلفيا» الذي يسبب نمواً غير طبيعي لكريات الدم البيضاء. علاج هذا النوع من السرطانات اسمه «ايماتينيب» وهو يعالج المرض بنسبة 90%، هذا الدواء كان قفزة عملاقة في علم أدوية علاج السرطان، ومهد الطريق لعلاجات ذات هدف محدد يقضي على الورم ويبقي الخلايا السليمة؛ على خلاف العلاج الكيميائي الذي يقضي على جميع خلايا الجسم.

يتوجه العلم والأبحاث حالياً نحو العلاج الشخصي باستخدام التعبير الجيني الخاص بالمريض الذي يحدد الأهداف المطلوبة للتغلب على المرض.

وكما أوضحت سابقا فإن الأمراض السرطانية قد تكون وراثية أو من مسبب خارجي مثل التدخين، والسمنة والتعرض الطويل لأشعة الشمس، والتي تؤدي إلى تكثيف الطفرات بالجسم والتي تسبب السرطانات كسرطان الرئة والكبد والجلد.

لكن هناك أمراض سرطانية نادرة وتصيب الأطفال مثل سرطان العظام «Osteosarcoma» الذي يواجه صعوبات كثيرة في تطوير علاجات خصوصا العلاج الجيني، حتى الآن لم يحدد السبب الرئيسي للمرض لعدم توفر العينات الكافية «الأورام» لأنه نادر جدا، وفي حال توفرها تكون قد تعرضت للعلاج الكيميائي سابقا مما يغير بصمتها الوراثية.

من ناحية أخرى يستخدم العلماء والباحثون في هذا المجال حيوانات معملية مثل الجرذان للقيام بالتجارب، ورغم أن بعض الحيوانات من الناحية الوراثية تشابه الجينوم البشري بشكل كبير وذلك يساعد في تطوير الكثير من العلاجات؛ لكن ليست جميع أنواع السرطانات يمكن تقليدها بالمختبر، لذلك نحتاج إلى حيوانات تعيش معنا في نفس البيئة وتأكل نفس طعامنا، وتصاب بالسرطانات مثل ما يصاب به الإنسان.

من هذا المنطلق بدأت الأبحاث تركز على الحيوانات التي تكون أقرب إلى الجينوم البشري وتصاب بسرطان العظام بشكل تلقائي وأكثر بعشر أضعاف من الأطفال، فكانت أغلب الأورام السرطانية والخطوط الخلوية «cell lines» من عظام الكلاب!

نعم، الكلاب تصاب بنفس المرض، والجينوم الخاص بها أقرب بكثير للإنسان من الجرذان، وتصاب بالأورام في الأطراف الأمامية وتتعالج بنفس العلاج الكيميائي وتكوِّن مناعة ضد هذا العلاج كما في الأطفال المصابين.

تم استخدام هذه الأورام للكشف عن مسببات المرض، واتضح منها أن عدداً من الجينات تلعب دوراً هاماً في كيفية علاج المرض، ومن هذه الجينات «IGF2BP1» الذي اتضح أنه يلعب دوراً هاماً في عودة المرض بشراسة وعدم الاستجابة للعلاج.

هذا الجين في الإنسان السليم يكون تحت نظام صارم يتحكم بتعبيره، وينشط فقط في مراحل التكوين الجنيني ليساعد الخلايا على النمو والتكاثر. 

وتجري حالياً دراسات تركز حول كبفبة قيام «الخلايا البشرية والحيوانية» بتشغيل هذا الجين على مستوى الـ«DNA»! أيضا ما أهدافه وكيفية التصدي له في مرحلة ما بعد تكوين البروتين «IGF2BP1».

ومن المطمئن أنه تم اختراع جزيء صغير له القدرة على الارتباط بـ«IGF2BP1» وتثبيط عمل هذا البروتين، ومازال تحت الاختبار بمسمى «BTYN»، وهذا يعطي دافعاً إيجابياً بأن العلم يتقدم بسرعة هائلة، وكما تم تصنع لقاح لفيروس «COVID-19» في سنة وهو متوفر الآن للجميع، فالعلاج قريب لباقي الأمراض بإذن الله.

 

د. نوف مهدي اليامي

كلية العلوم

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA