الحكومة الرقمية

 

 

عكفت حكومة المملكة على الاستثمار الاستراتيجي في التكنولوجيا الرقمية سعياً منها لدعم تطوير إمكانات الحوكمة الفعالة، التي تركز في المقام الأول على تطوير الأداء والجودة والميكنة والموثوقية في العمليات الحكومية.

ومع التقدم التكنولوجي الهائل والسريع إلى جانب ارتفاع سقف توقعات المواطنين فإن دور الحكومة لم يعد مقصورا على التفاعل مع هذا التطور فقط، وإنما بات يتطلب منها تطوير قدرات تنافسية غير مسبوقة للتفوق على نفسها وتبني نماذج عمل مرنة وتفاعلية تتحدى الأنظمة التقليدية المعتادة.

وفي خطوة استراتيجية للارتقاء بالخدمات الإلكترونية وتعزيز الرقمنة في الأداء الحكومي، ولضمان أن تكون المملكة في مصاف الدول المتقدمة رقمياً؛ أقر مجلس الوزراء برئاسة خادم الحرمين الشريفين – حفظه الله – بتاريخ 13/3/2021م اعتماد تنظيم «هيئة الحكومة الرقمية» ونظام «المحاسبة والمراجعة»، ويأتي إنشاء الهيئة في وقت أثبت فيه التحول الرقمي أنه ركيزة النجاح للعالم بعد 2020، ويعزز تطور المنجزات الوطنية في التحول الرقمي التي تحققت ضمن مستهدفات رؤية المملكة 2030.

ويعتبر هذا التنظيم خطوة تفتح آفاقاً جديدة لخدمات الحكومة الرقمية أو كما يطلق عليها  «الحوكمة التقنية» أو «حوكمة التحول الرقمي» حيث ظهرت هذه المصطلحات بصورة هامة وحيوية مترافقة مع إستراتيجيات الدولة للتطوير؛ لتؤدي إلى زيادة الشفافية والفعالية في إدارة الدولة والحد من المخاطر، والتركيز على إثراء تجربة المواطن والمقيم للخدمات الحكومية، ورفع كفاءة نماذج التحول الرقمي الحكومي، وتحقيق أقصى استفادة من الاستثمارات التقنية الحكومية.

وتمثلت أهداف الهيئة في تقديم تجربة استباقية ورفع كفاءة العمل الحكومي من خلال إثراء تجربة العميل عن طريق تحسين تجربة التعامل مع الخدمات الحكومية لتكون رقمية واستباقية، وكذلك رفع كفاءة العمل الحكومي عن طريق تبني نماذج فعالة ومبتكرة للتحول الرقمي في مجالات متنوعة كالصحة الرقمية والتعليم الإلكتروني ممثلا بالتعليم عن بعد والاقتصاد الرقمي وغيرها، وأيضًا زيادة الإنتاجية وتطويع الاستخدام الأمثل للموارد والاستثمارات التقنية الحكومية وتبني التقنيات الحديثة وتطوير القدرات الرقمية والمواهب.

وهو دلالة على إيمان القيادة بأهمية الحفاظ على المكتسبات ومواصلة رحلة بناء الاقتصاد الرقمي وتمكين المواطن والمقيم والزائر من الوصول إلى الخدمات الحكومية بطريقة سلسة ومتكاملة.

ومن أهم اختصاصات الهيئة المشاركة في إعداد الاستراتيجية الوطنية للحكومة الرقمية والإشراف على تنفيذها بعد الاعتماد، وإقرار السياسات المتعلقة بأنشطة الهيئة والخطط والبرامج اللازمة لتنفيذها، ووضع المعايير الفنية لنماذج التحول الرقمي الحكومي ومتابعة الالتزام بها؛ بالإضافة إلى تنظيم أعمال ومنصات وشبكات الخدمات الحكومية الرقمية، وحوكمة أعمال السحابة الحكومية الرقمية والسحابات ذات العلاقة بها.

يمثل التحول الرقمي «Digital Transformation» رحلة طويلة تتميز بالحيوية والديناميكية تختلف مكوناتها وأولوياتها لتستجيب بشكل مستمر لاحتياجات أصحاب المصالح المختلفة وتواكب تطلعاتهم بشكل يتوافق مع التطور التقني والإمكانات المتاحة، ويتم تطبيقه عبر طيف يشمل التقنيات والبيانات والموارد البشرية والعمليات. 

وقد اتضح من واقع الخبرة العلمية والعملية أن دائرة الاهتمام في مشاريع التحول الرقمي يجب أن تنتبه وتهتم بستة محاور رئيسية وهي: الحوسبة السحابية، والهوية الرقمية، والتكامل البيني بين الأنظمة الحكومية، والبيانات المفتوحة، والبيانات الضخمة، وإدارة المعرفة.

وهي عناصر تُشكل اللبنات الرئيسية، وتسرع من الخطوات التقدمية، وتساهم في تطوير منظومة حكومية رقمية مرنة وذات كفاءة وفاعلية متمحورة حول المواطن واحتياجات المجتمع ومصممة لتحقيق مستهدفات التنمية المستدامة.

وفي المقابل تعتبر الحوكمة الإدارة الرشيدة «Governance» أساساً متيناً للعدالة والمساءلة والرقابة والمشاركة والشفافية والمسؤولية والكفاءة والفاعلية والاستجابة والمحاسبية؛ ضمن منظومة تعمل على تحقيق أهدافها واستراتيجياتها، وتؤدي إلى وجود نظم تحكم العلاقات بين الأطراف الأساسية التي تؤثر في الأداء، كما تشمل مقومات تقوية المنظمة على المدى البعيد وتحديد المسؤول والمسؤولية ضمن إدارة رشيدة تهتم باتخاذ القرارات الجيدة، ويترافق مع هذا تركيز على التحليل الدائم للتنبؤ بالأداء والتخطيط للمستقبل، بهدف تحقيق الجودة والتميز في الأداء وما يترتب عليه من دفع عجلة التنمية الاقتصادية وتحقيق النزاهة.

إذن الحوكمة تعمل كرافعة للتحول الرقمي الذي يعتبر عملاً ديناميكياً يبدأ من الطوعية الذاتية ويتطور بصورة تفاعلية إلى صيغة الجمع، بينما يظل بحاجة إلى تأطير وتنسيق مستمر لإنشاء هيكليته وفرض إلزاميته في بيئات تتكون وتقاوم وتتغير، ونتيجة لذلك تشكل الحوكمة الرقمية طريقا واضحا لتسهيل الأعمال بشكل يواكب التطور ويضمن توازناً مع تحقيق الاستراتيجيات والأهداف بشكل متواصل وخلق فرص واعدة.

ختاماً، ستكون هيئة الحكومة الرقمية رافدًا هامًا لخلق تجربة للمواطن تتسم بالسهولة والتكامل، من خلال تطبيق خدمات جديدة بسرعة ومرونة، ورفع كفاءة الأعمال الرقمية الحكومية، وزيادة العائد على الاستثمارات التقنية الحكومية، وتحسين الكفاءة وتقليل الإنفاق، وأخيرا تنمية وتطوير المواهب للموظفين.

 

د. أماني بنت أحمد البابطين

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA