تعد المصطلحات العلمية قوام العلوم، وأحد المكونات الرئيسة لأي علم من علوم المعرفة، وقد شغلت قضية المصطلح وتوحيده علماء اللسانيات؛ كونها إحدى القضايا الجوهرية التي يُعنى بدراستها، فأنتجت حيزاً انقسم اللغويون فيه إلى فريقين، فريق يرى ضرورة توحيد المصطلح العلمي للحفاظ على اللغة ووحدتها، وفريق يرى أن تعددية المصطلح العلمي أمر حتمي لتطور اللغة وعدم جمودها.
هذا ما يتعلق بالجانب اللغوي، بينما يذهب هذا المقال إلى إلقاء الضوء على التعددية في المصطلح التربوي؛ ففي الجانب التربوي لا يختلف اثنان على أن الميدان التربوي يزخر بعدد كبير من المصطلحات والمفاهيم التربوية المتنوعة، التي قد تكون مترادفات وفي أحيان أخرى متشابهات تلتقي في مجال مشترك.
إن أهمية تحديد المصطلح أو المفهوم تنعكس على تماسك النسق المعرفي وتحقيق وحدة الموضوع وتأطير عملية البحث العلمي، حيث يواجه الباحث التربوي في أثناء تنقيبه عن المعلومات كماً هائلاً من المصطلحات والمفاهيم المتعددة، والتي في ظاهرها قد تؤدي إلى ذات المعنى، وفي باطنها تختلف باختلاف الاتجاهات الفكرية الفلسفية لرواد العلوم الإنسانية وتحديداً التربوية.
هذا الاختلاف يرجع في أصله إلى التعقيد الذي تتسم به طبيعة هذه العلوم ومادتها، وهي الإنسان بكافة ظواهره ودوافعه، يضاف إلى ذلك الاختلافات القائمة بسبب الترجمة والتعريب لبعض المصطلحات والمفاهيم من العربية وإليها، مما يشكل تشتيتاً في ذهن الباحث – وبخاصة الباحث المبتدئ - حول هذه المفاهيم، من حيث أيهما أدق في التعبير عن الموضوع أو الفكرة البحثية التي يعمل عليها، فينتقل الباحث مجبراً إلى تفكيكها وتجزئتها، وعقد المقارنات والمقاربات والمفارقات بين المصطلحات والمفاهيم المتقاربة أو المتشابهة للخروج من دائرة الحيرة.
وفي سبيل توحيد النظرة المفاهيمية للمصطلحات التربوية ظهرت بعض المعاجم المطبوعة، والتي تتضمن أهم المفردات والألفاظ التربوية الشائعة، ولكنها في معظمها تُعد قديمة وقاصرة - بعض الشيء - عن مواكبة المستجدات المعرفية في الميدان التربوي، وبالتالي افتقادها للمصطلحات والمفاهيم التربوية الحديثة.
ومن المعاجم المطبوعة الشائعة الاستخدام «معجم المصطلحات التربوية والنفسية» 2003 لحسن شحاته وزينب النجار، وتميز هذا المعجم بتعريف المصطلحات العربية وما يقابلها في اللغة الإنجليزية في القسم الأول وعُكس ذلك في القسم الثاني، و«المعجم التربوي» 2009 أحد إصدارات المركز الوطني للوثائق التربوية بالجزائر، و«معجم مصطلحات ومفاهيم التعليم والتعلم» 2009 لمجدي عزيز إبراهيم، والذي اشتمل على ما يزيد عن خمسة آلاف مصطلح ومفهوم تم تفصيلها وإيضاحها بأسلوب علمي، وكذلك «معجم مصطلحات المناهج وطرق التدريس» 2011 الصادر عن مكتب تنسيق التعريب في الوطن العربي التابع للمنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم.
وأخيراً وليس آخراً «معجم المصطلحات التربوية والنفسية» 2016 المؤلف من قبل المركز العربي للبحوث التربوية لدول الخليج بالكويت والتابع لمكتب التربية العربي لدول الخليج، وغيرها من معاجم مطبوعة لا يسعنا استعراضها وحصرها هنا؛ إلا أنها جميعاً تواجه مشكلة مقلقة، تتمثل في عدم القدرة على تحديثها باستمرار، وإضافة الجديد والحديث من المصطلحات والمفاهيم التربوية التي تنشأ نتيجة التطور المتسارع في العلوم التربوية والنفسية، كما أنها لا توفر خاصية البحث عن مصطلح بعينه، وإنما يجد الباحث نفسه مجبراً على تصفح جميع المصطلحات أو المفاهيم التي تبدأ بذات الحرف.
لذا، فقد اتجهت بعض المنظمات والهيئات إلى توفير قواعد بيانات رقمية للمصطلحات التربوية، فقد أصدر مكتب التربية العربي لدول الخليج مؤخراً «معجم المصطلحات التربوية الرقمي» والذي يتوفر كموقع إلكتروني وكتطبيق رقمي، ويوفر إمكانية البحث عن المصطلحات والمفاهيم التربوية باللغتين العربية والإنجليزية، إلى جانب إطلاع الباحث على المصطلحات المرادفة وكذلك ذات الصلة ومجالها، وهو بذلك يوفر للباحث رؤية شاملة عن المصطلح التربوي موضع البحث.
إن التعددية في المصطلح التربوي، تفرض على الباحث أن ينتقي المصطلحات الأكثر دقة وتعبيراً عن موضوعه، ولا يمكن ذلك إلا بمعرفة المصطلحات والمفاهيم المرتبطة بها، والرجوع إلى أصولها الفكرية والفلسفية التي انبثقت عنها وتبيانها وتفصيلها، وإيضاح أوجه التشابه والاختلاف بين المصطلحات المتعددة ذات العلاقة بموضوع واحد، ومعالجة المصطلح أو المفهوم في ضوء اعتبارات علمية يضعها الباحث نفسه.
إن هذه الخطوات بمثابة مهمة أولية للباحث قُبيل اضطلاعه بعملية البحث؛ وذلك لما لها من فائدة تنعكس إيجاباً على العملية البحثية من حيث تضييق نطاق جمع المعلومات، وتحديد أبعاد الموضوع البحثي.
أمل عبيد الطويرقي
باحثة دكتوراه في المناهج وطرق تدريس اللغة العربية
جامعة أم القرى
إضافة تعليق جديد