الرياضيات بين الهوية الثقافية والعولمة

 

 

كثيراً ما نتساءل عن فائدة وأهمية الرياضيات لطلابنا من ناحية ولحياتنا من ناحية أخرى، وعن مدى علاقتها بثقافاتنا وبيئاتنا المختلفة.

إن علم الرياضيات بقوانينه وقواعده ونظرياته يؤثر في جميع مناحي حياتنا الاقتصادية والاجتماعية والتنموية، وهناك سؤال ثان يطرح نفسه: ما أوجه الاستفادة من هذا العلم داخل مجتمعاتنا العربية والإسلامية وفي حياتنا العامة والخاصة وفي حياتنا الوظيفية والعملية بعد التخرج والانخراط في مجال العمل وفي شتى التخصصات!

لقد تمت ترجمة الرياضيات وفروعها وتدريسها لطلابنا في المدارس والجامعات كعلم ونظريات وتطبيقات، ولكن ما مردود ذلك على ثقافتنا وحياتنا المعاصرة!
لا شك أن هناك حاجة ملحة لتعليم الرياضيات لطلابنا في جميع المراحل، ولكن هل يستخدمه طلابنا في حياتهم وتعاملاتهم سواء قبل أو بعد تخرجهم، فإذا كان خريج جامعاتنا لا يستطيع بالتقريب حساب مجموع مشترياته ليعرف مدى مناسبتها له من حيث الإنفاق فإن استفادته من الرياضيات لم تتخط الصفوف الأولى بالمرحلة الابتدائية للأسف.

قُدم في اليابان والولايات المتحدة الأمريكية منذ أكثر من عشرين عاماً مضت، منهج رياضيات يسمى بالمنهج الثقافي للرياضيات، وهو مرتبط ارتباطاً كلياً وجزئياً ببيئة وثقافة الطالب فهو منهج خاص بالثقافات والبيئات المختلفة؛ فمثلا في البيئة والثقافة البحرية يتم تدريس منهج رياضيات خاص ببناء السفن والمراكب وتخطيط الموانئ وآليات الصيد والإحصاءات الخاصة بالثروة السمكية وصيد الأسماك وتعليبها وتجميدها وتصديرها.

أما في البيئة والثقافة الصناعية فيقدم منهج خاص بآليات عمل الماكينات وتصميم وتخطيط المصانع ومعدلات الإنتاج الصناعي بمختلف مجالاته وبما تشتهر به كل منطقة من صناعات؛ ليدرس الطالب الرياضيات من هذه الوجهة الثقافية والبيئية منذ صغره وحتى يتخرج خبيراً أو مهندساً للماكينات.

كما يقدم هذا المنهج للثقافة والبيئة الزراعية رياضيات خاصة بالزراعة والآفات وتخصيب الأراضي والإحصاءات الخاصة بكميات الأسمدة المستخدمة ومقاومة الآفات ومعدلات الإنتاج الزراعي وكميات المياة المستخدمة للري والمعادلات الخاصة بالمحاصيل وتخزينها وتصديرها، وهكذا.

كذلك يقدم هذا المنهج للبيئة الصحراوية وثقافتها رياضيات خاصة بالحجريات والمعادن وصهرها ومعادلات استخراجها وصبها وتصنيعها وكذلك جميع الرياضيات الخاصة باستخراج البترول من الأرض وتكريره وكيفية تخصيب واستزراع الأراضي الصحراوية وتخطيط وبناء المدن الجديدة لاستغلال الصحاري، وهكذا يتغير منهج الرياضيات بتغير وتنوع البيئة والثقافة.

هل قمنا نحن في بيئتنا العربية بمثل هذا الاتجاه ليستفيد طلابنا منذ صغرهم من الرياضيات وتكون دراستهم لها ذات فائدة واقعية بدلا من دراستها كعلم أو كرياضيات مدرسية أو جامعية يدرسها الطالب ثم ينساها مع أول خطوة بعد تخرجه!

إن العولمة التي نحن الآن بصددها والتي جعلت العالم قرية صغيرة تفرض علينا رؤى وتطورات جديدة يجب أن ننظر إليها بعين الاعتبار في تدريس ودراسة وتعلم الرياضيات «علم المستقبل» بشكل جديد يواكب هذا التطور، ويعطي استفادة أكبر من دراستها ومعطياتها ووظيفيتها مع تعدد بيئات دراستها وثقافاتها.

 

د. هشام عبده عبدالعزيز عبد الغفار

أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات المساعد 

منسق الجودة والتطوير والتدريب ورعاية الموهوبين بقسم العلوم الأساسية

عمادة السنة الأولى المشتركة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA