اليوم العالمي للمعلم

يشكل الخامس من شهر أكتوبر من كل سنة يوماً مهماً في مجال التعليم باعتباره اليوم المُخصص للاحتفاء بالمعلم الذي يشكل ترساً مهماً في منظومة التعليم، وبدون هذا الترس تنخفض جودة المخرجات وتُصاب المنظومة بالخلل. وقد أثنى مجلس الوزراء الموقر في جلسته الأخيرة على المعلم مُثمناً الدور الكبير الذي يقوم به لتعزيز القيم التربوية ورفع معايير الجودة الوطنية في امتلاك الأجيال الجديدة للأدوات التي تعمل على تنمية القدرات البشرية، وهي أحد البرامج التي أطلقها سمو ولي العهد حفظه الله لتحقيق رؤية المملكة 2030.

وعضو هيئة التدريس في الجامعات والمعاهد السعودية هو في النهاية مُعلم، وتقع عليه مسئولية التعامل مع مرحلة عمرية مؤثرة، وهي على المحك قبل الدخول في معترك الحياة المهنية وسوق العمل. هذه المسئولية وهذه المرحلة تتطلب من عضو هيئة التدريس أن يكون استثنائياً ذو مواصفات ومعايير خاصة يملك من خلالها لياقة العدّائين ولباقة المتحدثين وأناقة الأدباء والمفكرين.

امتلاك عضو هيئة التدريس للمعرفة أمر مهم جداً، ولكن لن تكون هذه المعرفة ذات جدوى إن لم يمتلك عضو هيئة التدريس الوسيلة المثالية لإيصال المعرفة للطلاب بطريقة جذابة وكاريزما خاصة تجعله من ضمن الأفراد المؤثرين في حياة الطالب. وهنا يأتي الدور الكبير على عضو هيئة التدريس في كيفية تقديم نفسه ضمن منظومة التعليم الجامعي، وهل يتعامل مع القاعات الدراسية على أنها مسارح فنية تُقدم فيها روايات أدبية راقية جداً، أم هي في نظره مجرد فصول دراسية لتحقيق العبء التدريسي!

زرت أحد الزملاء في إحدى محاضرته وذلك ضمن برنامج استشارة النظراء، وأعجبني حماس ذلك الزميل وتفاعله الكبير مع طلابه واستقبالهم لذاك التفاعل بطريقة إيجابية جعلت الجميع شركاء في الحدث، حيث طبق ذلك الزميل فكرة التعلم التعاوني القائم على إشراك الطالب في بناء المعرفة وتقديمها للآخرين. وبالمقابل، هناك زملاء يهربون من القاعات الدراسية بحجة الأعباء الإدارية أو النشاطات البحثية التي بالتأكيد تشكل أهمية، لكنها ليست أولوية بالمقارنة مع الوظيفة الأساسية لعضو هيئة التدريس ألا وهي (التدريس)! 

الشغف والحماس والإبداع والإخلاص من أهم أدوات النجاح للمُعلم وعضو هيئة التدريس، وهي أدوات مكملة للمعرفة التي يجب على الأستاذ أن يعمل على إيصالها للطلاب بطريقة جذابة ومبتكرة بعيداً عن التقليدية والروتينية والأسلوب التلقيني الممل، فامتلاك المعرفة بحد ذاتها ليست ضماناً للنجاح في العمل، ولن تصنع هذه المعرفة استاذاً ناجحاً ومؤثراً إن لم يرافقها أدوات النجاح. كما أن ارتكاز الأستاذ الجامعي على قدراته البحثية وكفاءته الإدارية لن تحجز له مساحة في ذاكرة الأجيال، فالتميز البحثي والمناصب الإدارية غالباً ذاكرتها قصيرة وينتهي وهجها حين مغادرة المنصب والمكان، لكن التعليم والتدريس هي ركائز الاستثمار الحقيقي التي يبقى أثرها إلى حين.

في جامعة ولاية كلورادوا، كان هناك أستاذ جامعي من المتميزين في مجال البحث العلمي، ويملك عشرات الأبحاث العلمية المنشورة في ارقى المجلات العلمية، ويدر على الجامعة ملايين الدولارات كمنح بحثية من الرعاة، وكان يُطلق عليه لقب «العبقري» الذي يكون دائماً على صواب. هذا الأستاذ شارك يوماً في تدريسنا أحد المواضيع ضمن إحدى مواد درجة الماجستير في تخصص التشريح. وبالرغم من كل مؤهلاته الأكاديمية وقدراته البحثية وخبراته العلمية والعملية، فشل ذلك الأستاذ بامتياز في إيصال المعلومة للطلاب والتفاعل معهم بشكل إيجابي، وأخفق بشكل مثير للشفقة في الإجابة على أسئلة الطلاب، مما وضع منسقة المادة في موقف حرج اضطرها إلى تقديم اعتذارها وإعادة شرح المحاضرة بنفسها مع كتابة ملخص لها. هذا الإخفاق بالتأكيد خلفه عدم امتلاك الأستاذ للأدوات اللازمة التي تساعده على تقديم قدراته البحثية وخبراته المعرفية في قالب تعليمي مؤثر.  

في هذا اليوم، لا يجب ان نكتفي فقط بتكريم المعلم بالكلمات والاهداءات والعبارات، بل يجب ان نستثمر هذا اليوم من كل عام بطرح المبادرات وتفعيل البرامج وتقديم الحوافز والمكافآت التي تميز الأساتذة الفاعلين والمؤثرين عن غيرهم من أقرانهم الذين يكتفون فقط بتقديم الحد الأدنى من التعليم والتدريس.

وأختم مقالي هذا بتذكير زملائي الكرام أن جامعة الملك سعود توفر باستمرار باقات سنوية من البرامج التدريبية عن طريق عمادة تطوير المهارات، والتي تهدف لتحسين مخرجات التعليم والتعلم، وصنع أستاذ جامعي استثنائي يقدم عملية تدريس فعّالة.    

د. خليل اليحيا

كلية الطب

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA