كان من الصعب تخيل أن مواد قسم العمارة والتخطيط يمكن أن تـًدرس عن بعد. وبسبب جائحة كورونا، تحقق ذلك؛ ليس برغبتنا ولكن، لصالحنا. وبسبب القرارات الاحترازية اتـُخذ قرار التحول للتعليم عن بعد بسرعة شديدة، إلا أن الطلاب أثبتوا جدارتهم، والتزام كادر التعليم كان ملموساً وواضحاً. وفي غضون أسبوع غدا واقعنا: (التعليم عن بعد)، وذلك لجميع مواد قسم العمارة وعلوم البناء في كلية العمارة والتخطيط في جامعة الملك سعود.
مع هذه التجربة رغبت المشاركة ببعض الإيجابيات لكي نستفيد من الحدث لصالح الجميع، ويكون دافعاً للتقدم والتطور لما يطمح إليه الوطن الطموح برؤية ٢٠٣٠ وما بعدها. سأختصر تجربتي في مادة: تطبيقات متقدمة في الحاسب للتصميم المعماري، ومادتي التصميم المعماري ٢ والتصميم المعماري ٦، وكلها مواد عملية تطبيقية تعتمد محاضراتها على: التطبيق العملي، والعروض المرئية، والمتابعة، والنقاش بين الطالب وزملائه وأستاذه، وتلقي التغذية الراجعة. الفرق الرئيس بين المواد أن مادة تطبيقات متقدمة؛ كانت تعتمد على أجهزة الحواسيب في معامل الكلية؛ وتحولت إلى استخدام الطالب لجهازه الخاص، ومادتي التصميم المعماري ٢ والتصميم المعماري ٦ مختلفتان؛ فمادة التصميم المعماري ٢ تعتمد على الرسم اليدوي، ومع التحول للتعليم عن بعد؛ استدعى الأمر من الطالب أن يرفع لأستاذه مسحا ضوئيا أو تصويراً لأعماله لعرضها بشكل رقمي، أما مادة التصميم المعماري ٦ فتدرس لطلاب مستوى متقدم، والعمل فيها يعتمد على استخدام البرامج الحاسوبية للرسم والاظهار. وقد اعتمد نظام إدارة التعلم LMS في تعليم المواد عن بعد من خلال رفع محتويات المحاضرات ليطالعها الطلاب. بدءا من التوصيف إلى المراجع والملفات المساندة، وكذلك رفع التمارين، والواجبات الأسبوعية في الوقت والتاريخ المتماشي مع مواعيد المحاضرات. ويتم رفع الاستجابات والحلول من الطلاب بعد ذلك لتقييمها من قبل أستاذ المادة، وترسل الدرجات عبر النظام مباشرة للطالب مع تعليق الأستاذ. ونفس الفكرة مستخدمة في مشاريع المادة وتقاريرها، حيث يتم التعليم عبر الفصول الافتراضية ليتشارك الطلاب في تبادل الآراء، وسماع التعليقات، وكذلك رؤية شاشة الأستاذ على البرنامج المراد التعلم عليه. المشاريع يتم عرضها من الطلاب أمام الجميع بمشاركة سطح المكتب لأخذ التعليقات والتعديلات رقميا على الشاشة من الأستاذ او الطلاب. كما تم استخدام برنامج زووم بفعالية مشابهة.
الطلاب اثبتوا اجتهادهم وتفاعلهم في مواد التصميم وغيرها، واستعدادهم الكامل للعرض، والمتابعة، وقد تم النقاشات باستخدام الأنظمة المتاحة والنواتج أكثر من رائعة. كما تمت مناقشة طلاب التصميم بحضور أكثر من محكم بشكل افتراضي، وكانت التجربة ناجحة جدا.
هذه الطريقة فتحت أبواباً لحضور محكمين من الجنسين ومن أماكن أو مدن أو دول أخرى في ذات الوقت، كما أننا أصبحنا جميعا قادرين على أن نكون محكمين إضافيين في أي كلية لمناقشة المشارع التصميمية أو الرسائل العلمية أينما كانت، فرئيس القسم أو الهيئة الإدارية يمكنهم الحصول مسبقا على روابط الدعوات لكل جلسات التحكيم، وبإمكانهم حضور كل أو بعض جلسات التحكيم للمتابعة. كما يمكن تسجليها جميعا ومراجعتها في وقت لاحق.
إلا أن هناك أمرا مختلفا، وهو العامل النفسي؛ حيث أن جزءا كبيرا من التواصل عادة يكون في تعابير الوجه والجسد، فيجب مراعاة أن عدم رؤية الطالب أستاذه أثناء الشرح قد يسبب شيئا من التوتر للطرفين، وقد يقلل من التركيز على المحتوى. إن تهيئة الجو المناسب للطالب يتطلب من أستاذ المادة الظهور بشكل مرئي لكي يتلقى الطالب المعلومات بشكل أفضل، أما إن رغب أن لا يظهر، فعليه أن يراعي أن هذه الطريقة تفتقر إلى التفاعل والاحاسيس. في المقابل فإن على الطالب أن يكون في مكان مناسب وهادئ وبعيد عن الضوضاء أو المشتتات حتى يستطيع التركيز والاستفادة من محتوى المادة بأكبر قدر ممكن.
الدروس المستفادة من هذه التجربة كثيرة، ولعل من أبرزها هي التوجه نحو حماية البيئة، والذي يتضح في عدة أشكال منها:
ـ الاستغناء عن الطباعة والتعامل بشكل رقمي بحت حيث لا يوجد طباعة مشاريع ولا تقارير.
ـ التقليل من استخدام الوقود الأحفوري لعدم الاضطرار إلى التنقل من مكان المعيشة الى الكلية.
ـ الحد من التلوث البيئي والبصري الصادر عن الازدحام المروري، وانبعاث أول أكسيد الكربون من عوادم السيارات.
ـ التقليل من الحاجة إلى الأقلام والأوراق لكتابة الملاحظات، حيث أصبح المجال مفتوحاً لان تكون التعديلات والملاحظات إما مكتوبه رقمياً، أو أن يتم تسجيل المحادثات المرئية تلقائيا لدى الأستاذ او الطالب، ويستطيع كلا منهما العودة اليها (بالصوت والصورة او إحداهما) وكذلك أخذ صور حية للتعديلات وقت ما يشاؤون.
د. جميل عابد
أستاذ مساعد | قسم العمارة وعلوم البناء
رئيس وحدة خدمة المجتمع
كلية العمارة والتخطيط
email jbinabid@ksu.edu.sa
إضافة تعليق جديد