ماذا بعد عودة الحياة الطبيعية..!

 

 

الأحد الماضي الموافق 17 أكتوبر من العام 2021، صدرت الموافقة الكريمة من المقام السامي على عودة الحياة الطبيعية والتخفيف من الإجراءات الاحترازية التي عشنا وتعايشنا معها لأكثر من سنة ونصف حتى أصبحت جزءً من نمط حياتنا، وجزءاً من هويتنا، وأصبحت الكمامة قطعة مكملة لملابسنا الشخصية، ومن دونها نشعر بأن هناك شيء ما غير صحيح. هذه العودة بالتأكيد خلفها جهود استثنائية قامت بها المملكة العربية السعودية لمحاربة هذا الوباء والتقليل من آثاره الصحية والاقتصادية والاجتماعية والنفسية، جهود جعلت من تجربة المملكة في مكافحة كورونا من أهم التجارب الرائدة دولياً والتي أثنت عليها حكومات ومنظمات وهيئات إقليمية وعالمية، وباتت هذه التجربة قيد الدراسة والمحاكاة والاقتباس من دول ومجتمعات أخرى. 

لقد صرفت المملكة العربية السعودية بسخاء كبير على محاربة فيروس كورونا، وجندت كلَ طاقاتها وأدواتها وكوادرها ووزاراتها وهيئاتها لتكون جنوداً في الصف الأول ضد هذا العدو القاتل، كما اتخذت المملكة منذ بدايات الأزمة قرارات مصيرية مؤلمة، وفرضت قيوداً صارمة أثناء الجائحة تعطلت معها بعض المصالح وربما انهارت معها بعض النشاطات التجارية، لكنها قرارات كانت ضرورية لمصلحة الوطن ولضمان محاصرة الفيروس والقضاء عليه تمهيداً للوصول لهذا اليوم المنشود. قرارات خلت من المجاملات والمحاباة والاستثناءات التي تنهش في مضمون تلك القرارات وتلغي أهميتها وأهدافها.

الأرقام والإحصائيات الرسمية الصادرة من وزارة الصحة والوزارات المعنية تشير بوضوح إلى صحة القرارات وكفاءة الإجراءات التي تم اتخاذها منذ بداية الجائحة رغم صعوبة تلك القرارات والإجراءات، حتى وصلت معدلات الإصابة بالفيروس إلى أدنى مستوياتها، وتجاوزت نسبة المحصنين في المجتمع إلى أكثر من 60% وهي نسبة قريبة جداً من النسبة التي من خلالها تحدث مناعة المجتمع.

الكرة الآن في ملعب الوعي المجتمعي، والتعويل هنا على المسئولية الشخصية لأفراد هذا المجتمع في امتلاك حس المسئولية الصحية والاجتماعية والأخلاقية في التزام الحذر عند التعامل والأخذ بالأسباب والاحتفاظ بمساحة من التباعد في المجمعات والتجمعات. من الوعي أيضاً الحفاظ على بعض السلوكيات التي أجبرتنا الجائحة على ممارستها والتعود عليها مثل استمرار ارتداء الكمامات في الأماكن المغلقة أو المكتظة بالناس، والتقليل من المصافحات والأحضان غير الضرورية، وتعقيم الأيدي والتعامل بحزم مع أي أعراض تتقاطع مع أعراض كورونا وعدم التساهل في هذا الأمر حماية للإنسان نفسه، وللآخرين المحيطين به.

عودة الحياة لطبيعتها يعني عودة الهدوء والاطمئنان للمجتمع، تلك الحياة الطبيعية التي خسرناها ولم نعرف قيمتها إلاّ بعد أن انحرمنا منها وأجبرتنا ظروف الجائحة على نمط حياة مختلفة يملؤها القلق والارتباك والاكتئاب والخوف من أن يصبح الإنسان بعافية ويمسي مريضاً طريح الفراش، حيث نشرت كثير من الأبحاث العلمية الاستقصائية أن نسب الإصابة بالقلق والضغوط والاكتئاب قد ارتفعت لمعدلات عالية أثناء الجائحة، وهي نسب مفهومة ومتوقعة، ومن خلالها نمت ثقافة أخرى أخذت بالأسباب وأذعنت للقرارات والإجراءات، وكانت المحصلة النهائية العودة مرة أخرى لحياتنا الطبيعية التي أدركنا الآن قيمتها وجمالها ورونقها. ودمتم سالمين من كل شر.      

د. خليل اليحيا

كلية الطب

alkhaleel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA