الطالب الجامعي وسوق العمل

ليس هناك وقت للطالب الجامعي أفضل من المرحلة الجامعية للتعرف على اهتماماته ومساره المهني، فهي المرحلة التي تتوفر فيها مجموعة من الخدمات والامكانيات والمساحات التي تسمح للطالب باختيار التخصص الأكاديمي الأفضل والذي من خلاله يستطيع أن يرسم المستقبل المهني الأنجح. فالجامعات عادة توفر للطلاب المواد الأكاديمية للتعلم، والفرص المهنية للعمل والدورات التدريبية للنمو والتطور. 

هناك المشرف الأكاديمي في الجامعات الذي من أولوياته دعم الطالب الجامعي بخبراته وتوصياته وتجاربه ونصائحه، وهي تجارب وتوصيات مؤثرة في تحديد المسار الأكاديمي المناسب الذي يتناغم وينسجم مع اهتمامات وهوايات الطالب، ليصنع مزيجاً من الشغف والتعلم عند الطالب لبناء خبرات معرفية تراكمية يمكنه الاعتماد عليها في حياته المهنية.

الجامعات – من خلال عمادات تطوير المهارات - توفر باقات تدريبية متنوعة في مختلف المجالات والفنون والتخصصات لصقل مهارة الطالب وتعلم مهارات جديدة تعمل على تطور شخصية الطالب ونموه الذهني والمعرفي ليكون متمكناً في مجاله وناجحاً في دراسته وقادراً على المنافسة مع زملاءه في سوق العمل. 

كذلك الجامعات تقوم بتنظيم فعاليات سنوية تحت مسميات مختلفة أشهرها «أسبوع المهنية»، حيث تضم هذه الفعاليات مجموعة من اللقاءات والدورات وورش العمل التي تعمل على تهيئة الخريجين لسوق العمل وإتاحة الفرصة لهم للتعرف على المجالات المهنية والفرص الوظيفية المتوفرة، حيث يمكن للخريجين وبقية الطلاب في الجامعة من زيارة الأجنحة الخاصة بالشركات والمؤسسات، ومقابلة المسئولين فيها، وإجراء المقابلات الشخصية للمرشحين لوظائفها.

الحلقة الأهم في هذه المنظومة هي الطالب ومدى اهتمامه بتطوير نفسه وصقل مهاراته وشحذ أدواته ليكون مستعداً ولائقاً للمنافسة مع أقرانه في سوق العمل وتحقيق أقصى النجاحات المهنية، حيث تشير بعض الدراسات الاستقصائية إلى أن نسبة كبيرة من الخريجين غير مهيئين بشكل ملائم للدخول في سوق العمل. 

ففي استطلاع قام به موقع ( LendEDU-College Pulse ) وشمل أكثر من سبعة آلاف وسبعمائة طالب جامعي، أشار الاستطلاع إلى أن 36 في المائة من الطلاب في سنواتهم الجامعية الأخيرة لا يشعرون بالاستعداد لحياتهم المهنية، وذلك بالمقارنة مع 20 في المائة من الطلاب الجدد، حيث يشير الاستطلاع إلى أن الطلاب عند اقتراب التخرج يفقدون الثقة في إمكانياتهم ومستقبل حياتهم المهني. إن شعور الطالب بقرب التخرج والدخول في العالم المهني قد يدخله في دائرة القلق والخوف من المستقبل المهني الغامض وشبح البطالة المخيف. 

وفي استطلاع آخر نشره موقع (PayScale  ) وشمل 76 ألف مشارك، أشار الاستطلاع إلى أن مدراء أكثر من نصف الشركات (60%) المشاركة في هذا الاستطلاع مدركين أن الخريجين الجدد يفتقرون إلى مهارات التفكير الناقد والاهتمام بالتفاصيل، بينما وجد 44% عدم قدرتهم على إتقان الكتابة، في حين أن 39% ينتقدون ضعف قدراتهم على التحدث أمام الجمهور. 

هذه التحديات والأرقام تضع المزيد من الضغط على الطلاب والخريجين لتحمل المسئولية والحرص أكثر على مستقبلهم المهني والاستعداد المستمر للعالم الحقيقي وتجنب الانغماس أكثر في منطقة الراحة التي تستدرج الطالب بعيداً عن الهدف الأساسي في تحقيق حياة مهنية ناجحة وهادئة.

 يجب على الطالب الجامعي أن يرسم خارطة طريق بمساعدة مشرفه الأكاديمي، أو بمن يثق فيهم من أساتذته، بحيث تُحدد هذه الخارطة الأهداف الرئيسية للطالب، والأولويات التي يجب عليه أن يعمل على تحقيقها، والمواد الأكاديمية والدورات التي تستحق تسجيلها وحضورها لتحسين المهارات الشخصية ودعم السيرة الذاتية ليكون الطالب حين تخرجه رقماً صعباً في مجال المنافسة في سوق العمل. القراءة والشغف وتنمية الاهتمامات وممارسة الهوايات وبناء الثقافة المعرفية هي من أهم الأدوات التي تضمن للطالب أن يكون من ضمن الأرقام الصعبة، وتضعه في مقدمة  منافسيه ومتقدماً عليهم بعدة أميال.

على الطالب أن يتخذ خطوات استباقية نحو مستقبله المهني من خلال تحديد الأماكن التي توظف الطلاب في المجالات التي يعشقها ويتقنها، وأن يحدد الشركات التي يرغب في العمل لديها، وزيارتها ومقابلة مسئولي التوظيف فيها لبناء شبكة من العلاقات المهنية التي تختصر عليه الكثير من الوقت والجهد، فالأمر أحياناً لا يتوقف على ما تعرف بل على من تعرف، وهذا إشارة إلى أهمية العلاقات الشخصية والمهنية التي تتفوق أحياناً على المهارات الشخصية والمؤهلات المهنية. 

إن التفكير المستمر في المستقبل المهني قد يبدو هاجساً مقلقاً للطالب، لكنه إن فكر بعقلانية وتحرك بذكاء واستثمر وقته بنجاح فإنه قادر على تخطي هذه الهواجس والمضي قدماً في نجاحاته الأكاديمية والمهنية. إن تنفيذ هذه الأشياء سيضعك عزيزي الطالب في مأمن من المنافسة ويدفعك باتجاه المقدمة عندما يحين موعد التخرج، ففي الوقت الذي يبدأ فيه زملاءك الخريجين بالبحث عن فرص العمل وإنشاء السير الذاتية والبحث عن توصيات وعلاقات، تكون أنت قد فعلت كل هذه الأشياء مسبقاً أثناء دراستك الجامعية لتبدوا حينها الأمور أسهل من أي وقت مضى.

د. خليل اليحيا

كلية الطب

alkhaleel@ksu.edu.sa

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA