الاتجاه نحو الرياضيات لدى طلاب المملكة

 

 

 

كثيرا ما نقدم لطلابنا سواء في التعليم قبل الجامعي أو في التعليم الجامعي مواداً معينة بغرض تعلمها والاستفادة منها في إعدادهم علمياً أو مهنياً لتقديمهم مؤهلين لسوق العمل ، غير أن هذا يتم أحياناً دون أن نقيس مدى اتجاهاتهم نحو دراسة هذه المواد ، وهل لديهم الدافعية المطلوبة لدراستها أم لا ؟ ، مما قد يفقدها أثر التعلم لدى هؤلاء الطلاب ، فلا يمكن بأي حال من الأحوال أن نرغم شخص على شرب عصير ما  لا يحبه أو أكل وجبة ما دون أن يكون لديه رغبة في تناولها ، فإما أن يكون له شهية ورغبة لتناولها ، أو يكون لديه دراية بفائدتها لبناء جسمه وعقله بما تحتويه من فيتامينات ومعادن ....

ويحضرني هنا موقفين أحدهما منذ عدة سنوات وأنا على سفر للقاهرة وبمطار الملك خالد حينما كنت آخذ تكت الصعود للطائرة وقال لي موظف الكاونتر أعتقد أني أعرف حضرتك ، فعرفته بنفسي وعرفني بنفسه فسألني عن تخصصي فقلت له تعليم وتدريس الرياضيات ، فتغيرت ملامح وجهه وقال لي أنا أكره الرياضيات منذ صغري ولا أحب دراستها ولهذا لم أحصل على درجات عالية فيها لنفس السبب ، فقلت له هل كان مستواك العلمي ضعيفا؟ً فقال لا ، ففي كل المواد كنت متميزاً إلا مادة الرياضيات فاستغربت لذلك ، والمهم أنهينا حديثنا وتمنى لي سلامة الوصول غير أن كلماته هذه ظلت ترن في أذني وظللت أفكر كثيراً فيما قاله ، وكم من طلابنا لديه هذه الاتجاهات السلبية نحو مادة مهمة جداً مثل مادة الرياضيات ، وفي أي فترة من عمره تكون هذا الاتجاه، بالطبع لم يتكون لديه منذ ولادته ورأت عيونه الحياة من حولنا وما أسباب ذلك ؟ ، وكنت دائما أسأل طلابي وأنا أدرسهم ريض 101 أو احص 102 بقسم العلوم الأساسية بالسنة الأولى المشتركة هل تحبون الرياضيات ودراستها؟ وأجمع ردودهم وادونها.. وكانت أغرب الردود أن الطالب لا يحبها لأن والده أخبره بذلك أو زميل له أو جار لهم ، وكنت أعمل جاهداً لتغيير اتجاهاتهم نحوها ايجابياً وبشتى الطرق وكثيراً ما كان يأخذ من اهتمامي أكبر من تقديم المادة العلمية نفسها ، وقمت بإحدى السنوات بقياس اتجاهاتهم نحو الرياضيات بمقرر 101 ريض بالسنة الأولى المشتركة ، ولم تكن النتائج على ما يرام ، ومرت السنون ويعيد المشهد نفسه مرة أخرى متكرراً وأنا أتسوق بأحد الهيابر بالرياض ويقول لي الموظف نفس المقولة .... أنا أكره الرياضيات ولا أحبها ، والحمد لله أن مجال عملي بعيداً عنها... وهنا أدركت بأن هناك مشكلة كبيرة داخل مجتمعاتنا العربية وهو الاتجاه السلبي نحو الرياضيات ودراستها وبخاصة لدى طلاب بالمملكة وقد يكون هذا لأسباب قديمة تتعلق بالمادة وأسلوب تقديمها للطلاب ، أو قد تعود للمعلم نفسه وأسلوب إعداده فلم يستطع التأثير في طلابه وتغيير اتجاهاتهم نحو الرياضيات وهو ماقد أعطيه من الأهمية ما يفوق تدريس الرياضيات نفسها لهم.

ولكن تبقى المشكلة قيد الدراسة بطرح العديد من الأسئلة التالية :

ما الذي يمكننا فعله لتكوين اتجاه ايجابي نحو الرياضيات لدى طلابنا؟

 ما دور التربويين من علمائنا نحو ذلك ؟

 ما التطوير والتحديث الذي يمكن إجراؤه بمناهج الرياضيات حتى تقدم بصورة محببة لدى طلابنا ومنذ المراحل الأولى من التعليم؟

 ما دور المعلم عامة وفي المراحل الدراسية الأولى خاصة أي في المرحلة الابتدائية وما قبلها لينشيء أجيالاً تحب مادة الرياضيات ولديها اتجاه إيجابي نحو دراستها؟

 ما نتائج الأبحاث التي تمت بهذا المجال وبماذا أوصت وهل طبقت هذه التوصيات أم لا ؟

 كيف يمكننا تحويل الاتجاه السلبي لدراسة الرياضيات إلى اتجاه ايجابي مثمر؟ 

هذه بعض من كل من أسئلة كثيرة تتعلق بهذا المجال ، ولكن إذا كانت الرياضيات من الأهمية بأنها مادة حياة وتتداخل في كل شؤون حياتنا، ولا سبيل لتقدم الأمم إلا بها وفي جميع المجالات وكما أوصت العديد من المؤتمرات العالمية سواء في العالم العربي أو أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية وبما لا يتسع المجال لذكرها، فإن مسؤليتنا كبيرة لحل هذه المشكلة.

ومن خلال عملي برعاية الطلاب الموهوبين بالرياضيات وعلى مدى أكثر من 35 عاماً وبقسم العلوم الأساسية وجدت طلاباً هنا بالمملكة صحيح أن نسبتهم قليلة ولكنهم متميزون بل مبدعون ومبتكرون في الرياضيات وحل مشكلاتها ولديهم قدرات عقلية عليا ودرجات ابداع عالية فيها ، فياترى كم من طلابنا بالمملكة وبعالمنا العربي لديهم هذه المواهب وفقدناهم وافتقدناهم وخسرنا قدراتهم العالية بسبب الاتجاه السلبي الشائع لديهم قديماً وحديثاً مما سبب عزوف الكثيرين منهم عن دراستها.

لاشك أن الخسارة كبيرة جداً وقد نفقد علماء في الرياضيات ومواهب تم دفنها تحت حفنة من رمال الاتجاه السلبي نحو دراستها ، كانت هذه الفئة ستكون مهمتهم عالية في البناء والتنمية والاقتصاد بالمملكة ، بل وإفادة عالمنا بمخترعاتهم وابداعاتهم لبناء مجتمع علمي وراقي ومتميز ، تكون نبتتهم بالتعليم قبل الجامعي لتنمو داخل جامعة الملك سعود وجامعات المملكة ليقدموا الكثير والكثير في عصر المبتكرات والاختراعات والتقدم الرياضياتي المذهل.      

د. هشام عبده عبد العزيز عبد الغفار

أستاذ المناهج وطرق تدريس الرياضيات المساعد 

منسق الجودة والتطوير والتدريب ورعاية الموهوبين

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA