يوم التأسيس .. ملامح دولة وملاحم أمة

يقول الله تعالى: }أَفَمَنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى تَقْوَى مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانٍ خَيْرٌ أَم مَّنْ أَسَّسَ بُنْيَانَهُ عَلَى شَفَا جُرُفٍ هَارٍ فَانْهَارَ بِهِ فِي نَارِ جَهَنَّمَ  وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِين{. هذه الآية الكريمة تتجسد معانيها وقيمها في تحالف تاريخي تم في عام 1157 هـ (1744 مـ) حين غادر الشيخ محمد بن عبدالوهاب بلدته العيينة ورحل إلى الدرعية ليقابل حاكمها وأميرها الإمام محمد بن سعود الذي تولى إمارة الدرعية عام 1139 هـ (1727 مـ) ويعتبر هو المؤسس الفعلي للدولة السعودية الأولى. لقد قال حينها الإمام للشيخ: «أبشر ببلاد خير من بلادك وأبشر بالعزة والمنعة»، فقال له الشيخ: «وأنا أبشرك بالعزة والتمكين وهذه كلمة التوحيد لا إله إلا الله من تمسك بها وعمل بها ونصرها ملك بها البلاد والعباد». لقد كان ذلك التحالف التاريخي بين القرار السياسي والمشروع الديني هو القاعدة الأساسية لتأسيس الدولة السعودية الأولى التي كانت كالضوء الخافت في منطقة مزدهرة بالخلافات والخرافات ليستمر هذا الضوء في الانتشار والازدهار بالرغم من التحالفات والوشايات التي حاربته وسعت للقضاء عليه، وقد نجحت حيناً وأخفقت أحياناً ليختفي بعدها هذا الضوء من الأنظار مع بقاء جمرته متقدة تنتظر من يحتضنها، حتى لبى نداءها وأوقد شعلتها شاب لم يبلغ الثلاثين أعاد للضوء سطوته وسلطانه، فأعاد عاصمة أجداده وانتصر لأنصاره ليبني دولة ذات عراقة تاريخية وقوة اقتصادية وعلاقات إنسانية.

بقيت المملكة العربية السعودية وفية لدعوتها وعهودها وحلفاؤها وأرضها، فأصبحت دولة حديثة متطورة ذات سيادة واستقلالية. دولة تملك رؤية منهجية ومشروعاً تنموياً طموحاً وإدارة شابة تعكس إرادة القيادة في الحفاظ على أرض الحرمين دولة فتية. ومن وفاء القيادة لتاريخها وجذورها صدور الأمر الملكي الكريم باعتماد يوم التأسيس، وهو اليوم الثاني والعشرون من شهر فبراير من كل عام ليكون ذاكرة للأجيال لتعرف تاريخها وأجدادها والتضحيات التي قدمها الأجداد لتنعم هذه الأجيال بحزم الأمن ورفاهية الأمان والاستقرار الاقتصادي والاجتماعي والإنساني.

يوم التأسيس هو اليوم الذي يحكي ملامح دولة وملاحم أمة كانت تملك حيزاً صغيراً من أرض نجد العربية، فأصبحت بجهود مؤسس الدولة السعودية الثالثة الملك عبدالعزيز بن سعود ورجاله المخلصينرحمهم الله جميعاً - تسيطر على أجزاء كبيرة من أرض الجزيرة العربية لنشر العدل في الحقوق والرخاء في المعيشة والأمن في الأعراض والأمان في الممتلكات. لقد انتقلت المملكة العربية السعودية من أرض يهجرها أبناءها طلباً للرزق والزاد لأرض تقدم الوعود والعقود في الرخاء وفي لقمة العيش الكريمة لأبناء الدول الشقيقة والصديقة.

يوم التأسيس هو يوم يرتدي فيه الرجال الدقلة والغترة والعقال والمردون، وتتزين فيه النساء بالبرقع والشيلة والمقطع والحزام، وهي دلالات رمزية لارتباط الحاضر بالماضي، وعلاقة الأحفاد بالأجداد، لنقول للعالم أجمع أن هذا هو تاريخنا، وهذه الأرض هي أرضنا، ولهؤلاء القادة ولائنا، ولهذه الأرض انتمائنا، وعلى هذه الرؤية الطموحة رهاننا

يوم التأسيس يجسد بذور الكرامة والاستقلالية التي غرسها الأجداد في وجداننا وفي ضمائرنا لنحافظ بها على الجذور التي تشكلت في باطن الأرض ليخرج منها سائلاً أسود يتدفق بسخاء ليجعل تلك الجمرة المتقدة على استحياء تشتعل لتحيل الظلام نوراً والخوف طمأنينة والفقر غنىً والقفر رفاهية. يومٌ كان الإنسان قبله لا يأمن على نفسه أو ماله لو خرج بعيداً عن داره، فأضحت الأرض قبلة للمصلين، ومهوى أفئدة المعتمرين، ومأمن الخائفين، وحياة كريمة للراغبين في لقمة العيش الحلال. ثلاثة قرون وثلاثمائة سنة من التاريخ والعراقة والسيادة والريادة

حفظ الله هذا البلد، وحفظ قيادته وأهله ومن وطئ أرضه وعاش في كنفه واحتمى بحماه. اللهم آمين.

د. خليل اليحيا

كلية الطب

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA