نظرة متجددة لمجالات تطوير المنهج

تطوير المنهج بين النظرة الضيقة والآفاق الواسعة:

يُعد المنهج محط أنظار المجتمع  لأنه مناط التقدم وبناء الفرد وقدراته ومهاراته ،كما يركز على الخبرات والأنشطة التي تقدمها المدرسة للطلاب سواء داخل المدرسة أم خارجها. ويهدف المنهج الحديث إلى إحداث النمو الشامل المتكامل للطلاب، وضمان تفاعلهم مع بيئتهم ومجتمعهم. وتخضع المناهج بشكل مستمر للتقويم بهدف التطوير وإجراء التعديل الفعلي في المنهج القائم بكل مكوناته وتنظيماته وأسسه ومجالاته، وذلك من أجل تحقيق كفاءة المنهج وتحقيق أهدافه المرجوة. ويُقصد بمجالات التطوير تلك الجوانب والمكونات المحيطة بالمنهج، أي جميع ما يتصل به سواء مكونات داخلية للمنهج أو المؤثرات الخارجية عليه.  

 وقد قُسمت مجالات تطوير المنهج إلى قسمين: مجالات مباشرة ومجالات غير مباشرة؛ حيث ذكر السيد علي )2011( أن مجالات التطوير المباشرة تشمل نظام المنهج من أهداف ومحتوى وأنشطة وتقويم ،بالإضافة إلى محددات المنهج ،وتتضمن المعلم والمتعلم وفنيي المعامل ومصادر التعليم؛ والقسم الآخر المجالات غير المباشرة فتشمل البنية المدرسية والأسرة والإعلام ومؤسسات المجتمع الأخرى.  

 وبناء على ما تم ذكره حول النموذج السابق لمجالات تطوير المنهج غير المباشرة نقف قليلاً أمام البناء المدرسي )المدرسة(، ونتساءل حول تصنيفه ضمن المجالات غير المباشرة، فالمنهج عندما يتم تطويره يتم تطبيقه داخل المدرسة وداخل صفوفها وبين معاملها ومصادرها، بالتالي تحتاج البنية المدرسية لتطويرها وتهيئتها لتطبيق المناهج المطورة، فمثالاً عند إدخال التعلم الإلكتروني لم تبق المدارس دون إعداد وتهيئة وتزويد بالموارد والمصادر الهامة للتعليم الإلكتروني كالسبورة الذكية  ووسائل الاتصال بالإنترنت ونحوها،ومن هنا يمكننا القول بأن البنية المدرسية تُعد من المجالات المباشرة في التطوير، ومن أهم المجالات للوصول للنتائج المرجوة من التطوير

وفيما يختص بالأسرة نرى حالياً وبعد المرور بجائحة كورونا دور الأسرة الفعال في عمليتي التعليم والتعلم، حيث ساعدت الأسر وبشكل كبير في متابعة تقدم أبنائها خلال عملية التعليم عن بعد من خلال المنصات الإلكترونية مثل منصة مدرستي. وبالنظر في الكتب المدرسية الحالية في مادة العلوم مثلاً : نجد أنها ضمنت بشكل مباشر دور الأسرة في مقدمة الفصول، والتي من خلالها تتم متابعة أولياء المور لبنائهم. ويعد تعزيز مشاركة الأسرة في العملية التعليمية وفي المشاركة في التحضير لمستقبل أبنائها من أهم أهداف التعليم التي تتبناها وزارة التعليم في المملكة العربية السعودية )2021(، وبناءاً على ما سبق فإن الأسرة ودورها في المنهج أصبحت تُعد من مجالات التطوير المباشرة لأنها تدعم بشكل واضح ومرتبط، تطور المنهج وتحقيق أهدافه.  

أما الإعلام فيُسهم في تحقيق أهداف سياسة التعليم عبر وسائل الإعلام المختلفة، والتعريف بالجهود القائمة تجاه التعليم

والطلاب، ونشر المعلومات الصحيحة عن المشروعات التعليمية والتربوية والتعريف برسالة المعلم ومكانته في المجتمع )الإدارة العامة للتعليم بمنطقة الرياض، 2021(. وفي ظل هذا التطور التقني والإعلامي الهائل نجد أن الطلاب ليسوا بمعزل عن الإعلام ووسائله، فنجد أنهم يتأثرون به ومؤثرين فيه، فالإعلام ممثلاً في وسائل التواصل الاجتماعي له دور مؤثر في العملية التعليمية، سواء بنشر المعارف والمفاهيم العلمية والأدبية والثقافية بمختلف صورها أو بالاتجاه الآخر كنشر المفاهيم العلمية الخاطئة أو الشائعات وغيرها. أضف على ذلك أن مواقع التواصل الاجتماعي وبرامج الشبكة الإلكترونية أصبحت جزءا من النشاط المدرسي المتضمن في الكتب المدرسية كنوع من الأنشطة والوسائل التي تسمح للطالب بالرجوع إلى برامج تعليمية معينة، على سبيل المثال عندما يطلب معلم العلوم من الطلاب مشاهدة أخبار الطقس لمعرفة أحوال الطقس وربطها بالمحتوى الذي يقدمه. ومن هنا نستنتج أن الإعلام وخاصة الإعلام الجديد المرتبط بالتقنية والشبكات الإلكترونية، يمكن أن يصنف حالياً من المجالات المباشرة في عملية التطوير والتي لها دورها الفعال في تحقيق كفاءة المنهج المطو ر فيما لو تم استثمارها بشكل جيد نظرا لقربها من الطالب وسهولة استخدامها

أما مؤسسات المجتمع فقد ذكر السيد علي )2011( أن من دواعي تطوير المنهج حاجات المجتمع والتقدم التقني، بالتالي فهو

ليس بمعزل عن المجتمع بل يسعى لتنميته ومواكبة تطوره، فالمنهج يهدف إلى إعداد الطالب ومد جسور التواصل والتكامل بين أفراد المجتمع ومؤسساته وهذا كله من شأنه إرساء قيم جودة التعليم ورفع كفاءة البيئة التعليمية. ولعل تركيز وزارة التعليم على ضمان المواءمة بين مخرجات التعليم واحتياجات سوق العمل أبرز الأمثلة حول أهمية مؤسسات المجتمع في عملية تطوير المنهج . وهو ما يقود إلى أن التطوير عندما يكون تطويراً شاملاً فإنه يشمل جميع مجالات المنهج من أهداف عامة يُرجى تحقيقها في العملية التعليمية، ومحتوى علمي يحتوي على أبرز ما يُسهم في بناء شخصية المتعلم من مهارات وقدرات وتطوير أدوات التقويم ووسائله،  وطالب هو محور للعملية التعليمية يسعى مجتمعه لحصوله على أجود أنواع التعليم، ومعلم يقوم على توجيه تعلم الطلاب وأيضاً يُسهم في تحقيق الأهداف المرجوة من المنهج المطور..  وهذه المجالات السابق ذكرها مرتبطة بشكل مباشر بالسرة والإعلام ومؤسسات المجتمع الأخرى التي صُنفت سابقاً على أنها مجالات غير مباشرة. وعليه فالطالب حينما يبني معرفته ويكتشف المعرفة ويبحث عنها من خلال المحتوى العلمي الذي يقدم له، يكون خبرة يستطيع تطبيقها ونقلها خارج المدرسة وتطبيقها في المجتمع المهني أو في حياته اليومية وهذا ما يؤكده المفهوم الحديث للمنهج. بناء على ذلك فالأسرة والإعلام ومؤسسات المجتمع والأبنية المدرسية جميعها من المجالات المباشرة في التطوير،  ومقارنة بالمقترح السابق فهذا هو المقترح المناسب للعصر الحالي  والذي يمكن تبنيه في لمستقبل تعليمي قوي ومتماسك بإعادة النظر في أدوار هذه العناصر وإعطائها حقها من الاهتمام كجزء مباشر ومهم من مجالات تطوير المنهج

وفي الختام، إن فصل مجالات التطوير لمباشرة وغير مباشرة أصبح من الماضي تباعاً للمفهوم القديم للمنهج الذي يفتقد التكامل والشمول وينصب على المكونات الأساسية والداخلية للمنهج فقط. ومن هذا المنطلق فجميع المجالات مرتبطة بصورة مباشرة في التطوير، وعند عملية التطوير لابد من أخذ الأسرة والأبنية المدرسية والإعلام ومؤسسات المجتمع بعين الاعتبار سيما أن المناهج المعاصرة والنظام التعليمي الحالي لا تفصل بين هذه المجالات وأصبحت جميعها شمولية مُكملة لبعضها البعض

 ويوضح النموذج التالي ترابط مجالات تطوير المنهج ببعضها البعض وتكاملها، مما يدل على أن النظرة الحديثة للمنهج  لابد أن تتسع لكل هذه العناصر وأن يؤخذ بالحسبان ذلك أثناء تطوير أهداف التعليم وتوجيهها في خدمة الفرد والمجتمع.

 

 

مها الرويس

ماجستير طرق تدريس العلوم

إشراف د. عبير أحمد مناظر

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA