رعاية المملكة العربية السعودية للعلماء المسلمين

 

إن المملكة العربية السعودية التي اتخذت من كتاب الله تعالى وسنة رسوله دستوراً لحكومتها ومرجعاً لدولتها، تقدر العلماء المسلمين -بغض النظر عن أوطانهم وألوانهم- تقديراً لهم، وترعاهم رعاية تفوق كل التصورات, والتقديرات، رعاية باعثها الإيمان بالنصوص الشرعية وإحلالها محل العمل والتطبيق، وليس الغرض من وراء هذه الرعاية كسب ثقة الرعية والتودد إليهم بالظهور في مظهر الحكام المتدينين كما هو دأب بعض القيادات وديدنها.

إن المملكة العربية السعودية قد قضت أكثر من ثلاثة أرباع قرن بعد توحيد البلاد على يد الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن آل سعود رحمهم الله، والناظر في تاريخها يجد أن موقفها من أصحاب العلم والمعرفة اليوم هو موقفها يوم تأسيسها، لم يطرأ عليه أي تغيير يذكر، يجد هذا الناظر أنه بتقدم الزمن وتطور الوسائل تأخذ عناية المملكة بالعلماء في الاتساع لتتخذ أشكالاً جديدة وسبلاً متنوعة.

فنرى أن هذه الدولة -في دورها الأول- التقت بمجدد العصر شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله فرحبت به ترحيباً حاراً، وأنصتت لتوجيهاته إنصاتاً كاملاً، وانتفعت بعلمه وحكمته وتقواه وفضله في إحياء شعائر الله وإقامة مجتمع إسلامي نموذجي، عرف رجال الدولة مكانة هذا العالم الرباني فقد قدروه حق قدره، وحموه حق حمايته، ودافعوا عن دعوته خير دفاع، ومن جانب آخر لم يأل الشيخ جهداً في نصح الدولة ولم يدخر وسعاً في بذل كل ما من شأنه إرساء قواعد الدولة على أسس شرعية متينة.

امتدت عناية المملكة العربية السعودية بالعلماء لتشمل علماء المسلمين في كافة أنحاء العالم، فتكرمهم إكراماً وتنزلهم منزلة قد لا ينزلهم إياها حكام تلك البلاد التي ينتمون إليها، وهذه العناية تتخذ أشكالاً شتى ومظاهر متعددة كلها تدل على إخلاص القادة وعلى حبهم للدين والعلم وأهلهما، وعلى تمسكهم بتعاليم الدين الحنيف.

إن المملكة وقفت من علماء مشارق الأرض ومغاربها مواقف مشرفة قد لا تقفها أنظمة تلك البلاد من علماء وطنها، فاحتفت بهم وأولت عنايتها بهم وعاملتهم معاملة كريمة رفعت من شأنهم في مجتمعاتهم وفي المجتمع الإسلامي العالمي، ولم تترك فرصة من فرص تكريمهم إلا واغتنمتها، ومن مظاهر تكريمها إياهم:

تكريمهم باستقدامهم واستضافتهم على أراضي بلادها، تكريمها لهم وهم في بلادهم، إنقاذ المضطهدين منهم في بلادهم واستقدامهم إلى أرض المملكة، استضافتهم لأداء مناسك الحج والعمرة وزيارة المسجد النبوي، منحهم عضوية الجامعات والمؤسسات السعودية، دعوتهم للمشاركة في المؤتمرات والندوات، تكريمهم باستقدامهم واستضافتهم على أراضي بلادها، وإرسال الوفود إلى علماء العالم وإقامة الملتقيات والندوات والدورات معهم.

إن وقوف دولة إسلامية تحتضن الحرمين الشريفين مهبط الوحي ومنطلق الرسالة ومهوى أفئدة المسلمين، وقوف مثل هذه الدولة بكافة أسبابها المادية والمعنوية إلى جانب حملة العلم الشرعي في شتى بقاع الأرض يرفع معنويتهم بلا شك، وينفخ فيهم روح الجد والاجتهاد، ويشجعهم على المضي قدماً في سبيل الدعوة والإصلاح، ويمنحهم جرأة وشجاعة على الثبات على الحق، والدفاع عنه.

فأول ما ينتج من هذه الرعاية شعور هؤلاء العلماء في بقاع الأرض بالرفعة والكرامة، خاصة في الظروف التي يعيش فيها العلماء، وهي أنهم يعاملون معاملة غير عادلة من حكوماتهم وولاة أمورهم، ففي مثل هذه الظروف تأتي رعاية قادة أرض الحرمين لهم كبلسم شاف لجروحهم، تبعث فيهم الأمل، وتنير لهم الطريق، وتنفخ فيهم الحيوية والنشاط، وتشجعهم على الحركة والعمل.

بأسعد أعظمي بن محمد أنصاري

خريج قسم إعداد المعلمين بمعهد اللغويات العربية بجامعة الملك سعود

عضو هيئة التدريس بالجامعة السلفية، بنارس، الهند

عضو الهيئة العالمية للعلماء المسلمين برابطة العالم الإسلامي، مكة المكرمة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA