ولماذا الكيمياء؟

 

هل مجال الكيمياء معني بدراسة أحد أفرع العلوم الطبيعية ويقتصر على تدريسه لأصحاب التخصصات الأخرى كالطب والهندسة أم هو مجال يحتوي على ما هو أعمق من ذلك؟ للإجابة على هذا التساؤل أولاً يجب معرفة ما هو علم الكيمياء وأهميته ومتى هذا العلم الواسع في تطبيقاته ومعلوماته الثرية ظهر وعرفته البشرية.

للتعرف على الكيمياء هو العلم الذي يدرس المادة والتغيرات التي تطرأ عليها، أما أهمية الكيمياء تكمن في معرفة كيفية بناء وتفاعلات الجسم، التربة، الأغذية، التقنية، المواد، الطاقة وغيرها الكثير. معرفة الانسان عن المادة وتغيراتها فهذا حدث في عدة مراحل، في العصر القديم الأمر ليس بالسهل معرفة متى عرف الإنسان ذلك وما هو التغير الكيميائي الأول الذي استشعره الإنسان آن ذاك. فالبعض يؤمن بأن أول تفاعل عرف في التاريخ هو الاحتراق (combustion) أو ما يعرف بالنار فلا يوجد ما يبرهن ذلك، لكن الإنسان عرف الأصباغ على سبيل المثال: مواد الطلاء التي استخلصت من المصادر الطبيعية كالنباتات. فقد اشتهر الكيمياء قديماً أوما يسمى بالخيمياء (alchemy) بصلته بالشعوذة والسحر والاعتقادات الدينية لذا اتهم علماء الكيمياء بالدجالين، على النقيض ازدهر هذا العلم في العصور الوسطى عندما ارتبط بتحويل المواد الى الذهب وكذلك الخلود (immortality) أو صناعة إكسير الحياة، لم يقف البشر عند هذا الحد لمعرفة الأكثر عن الكيمياء بل واصل العلماء التقدم، وللعلماء العرب والمسلمين أثر كبير في تطور المادة، فأبو الكيمياء العالم جابر بن حيان كان له إسهامات كبيرة في اكتشاف وتحضير الأحماض كحمض الكبريتيك الذي سماه بزيت الزاج، كذلك أبي بكر الرازي كان له مشاركات في الكيمياء وقد اخترع أداة لقياس الوزن النوعي للسوائل، على العموم كان للعلماء المسلمين مساهمات في اكتشاف العناصر والمواد الكيميائية التي تستخدم بشكل كبير في يومنا الحاضر.

يجدر بالذكر أن الكيمياء أصبح ثورة العصر الحديث بعدما صنفت المواد الكيميائية وكذلك فسرت الذرة وحركة الإلكترونات حولها وأيضا مستويات الطاقة للإلكترونيات. لم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل أن ظهور أجهزة الكشف عن المواد الكيميائية كان له الأثر الاكبر في اكتشاف ومعرفة الكثير من المركبات الكيميائية وكذلك اكتشاف المركبات الكيميائية، فذلك ساعد على معرفة أعقد المواد الكيميائية مثل حمض النووي الريبي منقوص الأكسجين (DNA) والبروتينات وظهور المواد المتقدمة مثل أنابيب الكربون النانوية، الهياكل الفلزية العضوية، الزيوليت ((Zeolite، والبوليمرات النانوية. يأتي السؤال هنا هل مجال الكيمياء تشبع بهذا الحد أم هناك الكثير؟ للإجابة على السؤال يجب النظر في المجالات الأخرى المرتبطة بالكيمياء وكذلك تطبيقات الكيمياء في الصناعة، فالتخصصات المرتبطة بالكيمياء كثير كالطب، الصيدلة، الهندسة، الجيولوجيا، الزراعة، الأحياء، علم التغذية، الطب الشرعي، هندسة السلامة الكيميائية، علم المواد ... إلخ، أما التطبيقات فعلى سبيل المثال بطاريات الليثيوم الجافة المستخدمة في الأجهزة الإلكترونية ماهي إلا مبنية على أساس انتقال الأيونات بين أقطاب الخلية الكهروكيميائية، فالأبحاث الآن منصبة على تطويرها وإيجاد بدائل أكثر أماناً وأقل كلفة كأيونات الصوديوم، المغنيسيوم، والفلورايد. لم يقف الأمر على البطاريات فقط بل خلايا الطاقة حازت على انتشاراً واسعاً كمصدر للطاقة للسيارات ومولدات الطاقة الاحتياطية (backup power generators) والكثير من التطبيقات الأخرى. أيضاً هناك الكثير من الأبحاث القائمة على جسيمات الذهب النانوية لعلاج السرطان. فاكتشاف الكثير المركبات الجديدة بخصائص وصفات جديدة لاستخدامات وتطبيقات قيمة كالشرائح الإلكترونية، الألياف البصرية، السبائك المعدنية، الأدوية، البلاستيكيات والبوليمرات الأخرى، المواد الصلبة، المواد النانوية، المكثفات الفائقة، التخزين الآمن للغازات، والكثير الكثير من المواد الكيميائية المكتشفة والتي ستكتشف مستقبلاً. لذا هناك الكثير لم يكتشف بعد من المواد الكيميائية والتي بدورها ستفتح آفاقاً جديدة في تطبيقات الكيمياء، لم يقتصر الأمر على الصيدلانيين فقط في اكتشاف العقاقير ولا المهندسين باكتشاف مصادر الطاقة البديلة. فالكيميائيين لا يدرسون فقط بل يبحثون ويفكرون ويساعدون في كثير من الصناعات والمجالات.

اليوم يشهد وطننا الغالي ثورة جديدة في الصناعات بشتى مجالاتها. فهناك الكثير من الأبحاث المهتمة في الطاقة البديلة، معالجة السرطان وبعض الامراض المزمنة، التقنية والشرائح الإلكترونية، الصناعات العسكرية، التعدين، تقنية النانو، البوليمرات والصناعات البلاستيكية، التحولات للمواد البترولية وغيرها من الأبحاث المتعلقة بالمجال، كذلك الوظائف المتعلقة بهذه التطبيقات وأبحاثها وأيضا المختبرات الطبية والشركات الكيميائية تشهد اهتماماً كبيراً في بلدنا المعطاء، من بعد اكتشاف أول حقل نفطي وحتى الآن ولله الحمد وبلادنا تشهد ازدهاراً في استخلاص وتطبيق المواد الكيميائية. فالكيمياء مجال واعد ليس فقط في الوظائف لكن في الأفكار والأبحاث والاستثمار.

د. عبدالمجيد بن عبدالله العياف

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA