د.الفقير من ميادين الرسوم الصخرية في شمال غرب المملكة يرجح..

اختراع العرب للبندقية واكتشاف المقذوفات النارية
أتوقع أن تكون المملكة من أقوى محطات السياحة الثقافية العالمية
تحل المملكة العربية السعودية في المرتبة الرابعة عالمياً مع قارات ودول كبرى

 

 

 

حوار: رؤى السليم

يواصل عضو هيئة التدريس الأستاذ المشارك بقسم الجغرافيا د.بدر بن عادل الفقير سلاسل أبحاثه الجغرافية التاريخية الميدانية في شمال غرب المملكة العربية السعودية.فبعد إصداره لموسوعته الطبيعية الجمالية «روائع التراث الطبيعي في شمال غرب المملكة العربية السعودية، ينهمك في إنجاز الموسوعة الثانية عن «الفنون الصخرية مرآة الماضي البيئي والإنساني في شمال غرب المملكة العربية السعودية:دراسة في التراث الثقافي القديم»والتي تتضمن رصد وتحليل الفنون الصخرية من نقوش الرسوم والكتابات والمنحوتات، ودورها في إعادة تركيب بيئة وحياة المجتمعات العربية القديمة في منطقة شمال غرب المملكة العربية السعودية. وقد خص د.الفقير رسالة الجامعة بسبق خاص حول بعض ما حواه الكتاب من اكتشافات آثارية قديمة باحت بها الرسوم الصخرية وتم البناء عليها  في ترجيح صنع العرب للبندقية، واكتشاف المقذوفات النارية.

 

- حدثنا أولاً عن قصة الإنسان مع الصخور ؟

- كانت الصخور أول مواد تعامل معها الإنسان في بداية مسيرته الحضارية على كوكب الأرض، فصنع منها أدواته الأولى التي أعانته في عيشه ،ثم استخدمها لبناء منازله البسيطة الأولى، وأخيراً استغل واجهاتها الملساء كلوحات للفن التشكيلي، أطلق عليه «فن الرسوم الصخرية»الذي يعد ظاهرة عالمية توجد في مختلف القارات، ويعتبر أولى المحاولات المبكرة للإنسان في المجال الفني والتوثيقي الذي يعد جزءاً جوهرياً من علم الآثار، وعلم الجغرافيا التاريخية، وتتمثل الفائدة العظيمة لهذا الفن  في العون الذي يقدمه للباحثين في إعادة تركيب تفاصيل حياة وثقافة وبيئة المجتمعات القديمة.

- هل تم وضع تاريخ لبداية فن الرسوم الصخرية في العالم، وفي المملكة ؟

- يعتقد أن باكورة فن الرسم على الصخور بدأت في تاريخ العالم  من العصر الحجري القديم الأعلى، أي منذ )40.000( سنة خلت، واستمرت في العصر الحجري الحديث وما تلاه من عصري معدن البرونز والحديد،وصولاً إلى العصور التاريخية، وبذلك فإن الإنسان بدأ بفن الرسم قبل ابتكار الأبجدية بوقت طويل جداً، وهناك من العلماء من يفترض أن الأبجدية ربما تكون قد تطورت عن العلامات والرموز التي كانت إحدى مواضيع الرسوم الصخرية، وكانت الأساس الذي قام عليه انتقال الإنسان من عصور ما قبل التاريخ وفجره إلى العصور التاريخية.

وبالنسبة للمملكة يمكن إرجاع تاريخ فن الرسم الصخري إلى نحو عشرة آلاف سنة من الوقت الحاضر

- أين توجد الرسوم الصخرية في المملكة ؟

- تزخر أراضي المملكة العربية السعودية بعشرات الآلاف من مواقع الرسوم الصخرية المبثوثة  على جدران الكهوف وواجهات الصخور في السلاسل الجبلية، وفي الكتل الجبلية المنعزلة وحواف الأودية في كل مناطق البلاد بلا استثناء، مما يؤكد على أن مسرحها الجغرافي  كان على مدار العصور الحجرية والتاريخية، إحدى مقرات وممرات الإنسان الأول، الأمر الذي يحفظ لها دورها في المسيرة  الحضارية الأممية.

- أوضح للقراء كيف نجح الفنان العربي القديم على مدار التاريخ في توثيق ملامح بيئته الطبيعية، وتفاصيل حياة مجتمعه ؟

- حقق الفنان العربي القديم نجاحاً مذهلاً في ذلك، حيث حيث صورت لنا الرسوم مشاهد البيئة بكافة عناصرها الطبيعية والحية، حيث أشارت رسوم القوارب النهرية والأسماك والسلاحف إلى تدفق المياه في الأنهار(الأودية الجافة اليوم)، وانتشار البحيرات العذبة، وأعطت أمثلة مما انقرض من مملكة الحيوانات من الأُسود والفهود والفيلة ووحيد القرن واللاما والأبقار والثيران البرية، ومن مملكة الطيور من فصائل النعام وطيور الماء والدجاج البري.

كما غطت الرسوم الصخرية مواضيع عديدة شملت التفاصيل الدقيقة للحياة اليومية في مجالات الدين،والشؤون السياسية والعسكرية  برسوم الملوك، حيث تعلو رؤوسهم تيجان وقلائد المُلك، والجنود بزيهم الحربي الموحد ، ومشاهد الصيد بالأساليب المختلفة، والقتال والمبارزة، ووثقت مراحل الاقتصاد من الصيد إلى الزراعة والرعي وتربية الحيوان ،إلى الصناعة بالأنواع الكثيرة من الأسلحة  والنقل باختراع العجلة و العربة، كما نقلت إلينا الفنون الأدائية من عزف الموسيقى والرقص والألعاب الرياضية ومسرح الطفل، إضافة لتفاصيل دقيقة عن الأزياء، والأحذية وتسريحات الشعر، ومقاييس جمال جسم المرأة العربية القديمة.

- بهذه الثروة الآثارية الكبيرة، أين تضع المملكة العربية السعودية نفسها في العالم؟

- بثروتها من فنون الرسم الصخري، تحل المملكة العربية السعودية في المرتبة الرابعة عالمياً مع قارات ودول كبرى ،أي بعد أفريقيا والهند وأستراليا، وربما يتغير هذا الوضع وتتقدم المملكة في الترتيب مع  الجهود  الكبيرة لحركة كشف الرسوم الصخرية وتوثيقها، التي تقوم الجهات ذات العلاقة من المؤسسات والجامعات.

- ماهي أهم الاكتشافات في ميدان الرسوم الصخرية التي توثق السبق التاريخي للسكان القدامى؟

- هي كثيرة جداً، لكن من أهمها هي تصنيع البندقية، وإطلاق المقذوفات النارية منها بتاريخ يعود إلى ما قبل الميلاد، والمعروف أن اكتشاف البارود تم تسجيله في التاريخ في الصين في القرن التاسع الميلادي فقط عندما مزج الكيميائيون الصينيون الفحم والملح الصخري والكبريت في الألعاب والمفرقعات النارية.

ففي أثناء مسوحاتي الميدانية، لفت نظري وبقوة البنادق في أيدي الرجال والنساء واستعمالها في الصيد، وفي القتال وهم في وضع احتضان البندقية، وإطلاق النار، وتبين تفاصيل تصميم البنادق دقتها وتنوعها ووضوح أجزائها من ماسورة المرور، والزناد، والنيشان، وأداة الأمان، وجاء العصف الذهني في سؤال صعب من أين تم الحصول على المواد المتفجرة، خاصة أنه لم يتم العثور على أي أثر للبنادق وذخيرتها حتى الآن في أعمال الحفريات الآثارية في المنطقة، بقي التساؤل معلقاً في ذهني يبحث عن إجابة، حتى جاء الفرج وبمحض الصدفة.

جرت عادة فريق العمل على إقامة المعسكر الميداني في موقع يتمتع بكثرة الرسوم، حتى تتم عملية البحث والتصوير طوال اليوم، وبالقرب من إحدى اللوحات الكبيرة، والتي تحمل رسوماً للبندقية، بدأ فريق الخدمات بالتجهيز لإفطار الصباح وإشعال النار، وقد وضع الحطب على موقع تتناثر فيه قطع الأحجار الصغيرة والكبيرة، وكانت المفاجأة هو تطاير قطع الأحجار بقوة في كل اتجاه عند ملامستها لحرارة النار، وقد حمدنا الله على سلامه وجوه وأعين فريق العمل الذي كان قرب موقد النار، من تلك اللحظة بدأت أربط بين الحادث و البندقية، فجمعت عينات من الأحجار، وذهبت بها إلى مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية الذين احتفوا بي وفي مقدمتهم سعادة الدكتور عبدالعزيز القريشي الذي أشرف على تحليل العينة، وجاء في التقرير ما يلي «باستخدام حيود الأشعة السينينية(إكس آر دي) تبين أن العينة مكونة بشكل رئيس من الكوارتز أي أن العينة مكونة من الحجر الرملي بالأساس، و تتضمن مواد قليلة من  المايكا والفلد سبار والتي يدخل في تركيبها الكيميائي معدن الألومنيوم الذي يساعد على قابلية الصخر للانفجار والتشظي، والانطلاق لمسافات عند تسخينها وتعرضها للحرارة الشديدة، التي أدت أيضاً إلى تبخر وتمدد الماء المحتجز في مسامات الصخر، مما ولّد ارتفاعاً شديداً في الضغط المسامي، ومضاعفة القوة التفجيرية للعينة الصخرية». وبالربط بين كل ما تقدم، يرجّح أن السكان اكتشفوا قابلية الحجر الرملي للانفجار، ثم صمموا بذلك البندقية، وحشوا في مخزنها الذخيرة الحجرية، وأوصلوا إليها شرارات نارية ربما عبر فتيل موصول بالذخيرة، لتنطلق القذائف على هيئة زخّات كما هو واضح في الرسم المرفق.

- برأيكم ما مستقبل العمل الآثاري في المملكة ؟

- كنت أقول دائماً أن ماضي المملكة ينتظره مستقبل باهر، حيث هزت الاكتشافات الحديثة الأوساط الآثارية العالمية بتوثيقها وصول الإنسان الأول و استقراره في شمال غرب المملكة منذ أربعمائة ألف سنة خلت، الأمر الذي أكّد كون أراضي المملكة كانت ضمن  الأوطان الثانية للإنسان، لذلك فثقافتنا تمتد إلى ذلك العمق الزمني السحيق، وأن الثقافة في عصور ما قبل التاريخ وفجره وفي العصور التاريخية لم تكن رافدية ونيلية و شاطئية متوسطية، بل أيضاً وبجدارة عربية صحراوية، وعليه أتوقع أن تكون المملكة من أقوى محطات السياحة الثقافية العالمية.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA