مناهج التعليم العام بين الرؤى الفلسفية والرؤية الوطنية (1-2)

 

 

 

      يعتبر المنهج جوهر العملية التربوية التعليمية، ومحتواه ما هو إلا انعكاس لمجتمعه، ولا يخلو أي منهج من تأثره بفلسفة أو نظرية أو رؤية معينة سواء بشكل مباشر أو غير مباشر،  وتعتبر مبررات تصميم مناهج جديدة أو تطويرها ما هي إلا استجابة لمشكلة أو أزمة موجودة، ولعل التقرير الذي أعده مجموعة من التربويين الأمريكيين بعنوان «أمة في خطر» Nation at Risk في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1983م أحد هذه الأمثلة في التربية والتي نتج عنها تحديد المشكلة التي كانت سبباً في تدني التعليم، ودراسة فرضيات حلها من خلال تطوير المناهج، ومن هنا فإن مواجهة المشكلات التعليمية يتم من خلال تصميم عدة مناهج تشتمل على المعرفة والمهارة والاتجاهات التي ينبغي على المتعلمين اكتسابها، وفق فلسفة ورؤية تربوية مختارة، وسنستعرض هنا الرؤى الفلسفية الرئيسية التي أثرت ولازالت تؤثر في المنهج وهي التقليدية، والتجريبية، وبناء حقول المعرفة السلوكية، والبنائية، بجانب الرؤية الإسلامية التي يقوم عليها بناء مناهج التعليم العام في المملكة العربية السعودية في سبيل تحقيق مبادئ الإسلام وطاعة ولي الأمر وحب الوطن، وتحقيق رؤية المملكة2030. 

    ونبدأ بالمنهج في المدرسة التقليدية Traditional والذي يعتبر مرادف لمفهوم المقررات الدراسية، وهو استجابة للمشكلات المعاصرة باستخدام إنجازات الماضي، وترى هذه المدرسة أن المنهج يجب أن يلعب دوراً في حماية الثقافة، وأن يحتوي على عدة عناصر هي: المعرفة الأساسية، والمعتقدات، واللغة، والعادات والتقاليد، وإنجازات الماضي واستخدامها كمصادر للمعرفة، والمحافظة على التراث الاجتماعي وتطويره، إضافة إلى الاهتمام بدور المعلم وإعداده وتكوين شخصيته وجعلة قدوة، وإعطائه الحرية في الموقف التعليمي. وبالتالي تكاملية وشمولية المعرفة لكل المتعلمين، والمتعلم في هذه المدرسة هو مستقبل للمعرفة فقط. 

    وتقوم الرؤية التجريبية Experimental وقاعدتها الفلسفة البرجماتية- التي أسسها جون ديوي- على السببية والتجريبية، وتعني أن لكل حدث سبب، وتفترض أن أي شي يحدث للمتعلمين يؤثر على حياتهم، وبالتالي يجب أن يكون المنهج شاملاً وواسعاً محتوياً على كل الأفكار والمشاعر التي برزت لدى المتعلمين في مواقف غير تعليمية أثرت في تجاربهم الشخصية، ويجب أن يبنى المنهج على حاجات واهتمامات المتعلمين وتحديثه بصفة مستمرة للحصول على أفضل النتائج. والخبرة في هذا المنهج هي أصل المعرفة، وأساس اكتساب المعارف والاتجاهات والمهارات. ومن هذه الخبرات حل مشكلات المجتمع، وتحمل المسئولية، والاعتماد على النفس، والتضحية، والربط بين الأسباب والنتائج، والملاحظة الموضوعية، وتقدير العمل، مع مراعاة النمو الفكري والاجتماعي لخبرات المتعلمين. ويعتبر منهج النشاط أحد التنظيمات المنهجية الحديثة الذي يرجع أصله الى جون ديوي، حيث اُنشئت أول مدرسة نشاط عام 1896م، وفلسفتها هي حل المشكلات في التدريس اعتماداً على التفكير العلمي والتجريب والمناقشة، والتركيز على المتعلم بدلاً من المادة الدراسية (المكاوي،2000).  

    وثالث هذه الرؤى هي رؤية بناء حقول المعرفة Disciplines والتي ركزت على تزويد المتعلمين بالمفاهيم الأساسية في التخصصات المختلفة تحت إشراف أساتذة الجامعات، دون الحاجة إلى حفظ وتخزين كثير من المعلومات في عقولهم، بمعنى أنه لا حاجة لمواجهة كل شي في الطبيعة من أجل معرفة الطبيعة، ولكن من خلال فهم بعض المبادئ العميقة من خلال الاستقراء حسب الحاجة، والتركيز على مشاركة المتعلم الفعالة في البحث العلمي وتزويد الطلاب بالمفاهيم الأساسية للتخصصات والدور المهيمن في هذا المنهج لأساتذة الجامعة.

     ورابعها هي الرؤية السلوكية Behavioral والتي تعود جذورها إلى الفلاسفة الإغريق وتحديداً أرسطو، وتعتبر مدرسة من مدارس علم النفس، ومن أهم التجارب التي قام بها روادها هي: تجربة جون واطسون (ألبرت الصغير والفار)، لدراسة اكتساب السلوك والتخلص منه، وتجربة إيفان بافلوف (نظرية الارتباط الكلاسيكي) التي قام بها على الكلاب، وتجربة إيدوارد ثورندايك (نظرية التعلّم بالمحاولة والخطأ) التي أجريت على القطط، وتجربة بروس سكنير (النظرية الإجرائية)، التي قام بها على الفئران، والتي تشير إلى تعزيز السلوك من خلال المكافأة والعقاب، ومفهومها قائم على ملاحظة سلوك المتعلم وطريقة استجابته لمحفز أو مثير خارجي، ويتم تطبيقها في المنهج من خلال تحديد الأهداف مسبقاً وفق صيغ سلوكية من قبل المعلم أو مصمم المنهج، ويفترض أن يكون دور المتعلم إيجابي، ويستجيب للأسئلة الموجودة، وبنهاية المنهج يجب أن يتمكن المتعلم من تعزيز أو تعلم سلوك إيجابي، أو يعدل أو يتخلى عن سلوك سلبي، أو اكتساب اتجاهات إيجابية نحو المجتمع والمدرسة، أو التخلص من المشكلات النفسية داخل الصف، أو تنمية المهارات اللغوية التي تتطلب التعلم والمحاولة والتطبيق...يتبع

  محمد حسن البحيري

معلم لغة إنجليزية-تعليم الرياض

طالب دكتوراة الفلسفة في التربية-المناهج وطرق التدريس

 

 

 

 

 

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA