الأستاذ الجامعي: دوره في تربية الأجيال ودفع التنمية وبناء المجتمع (1-2)

 

ينظر إلى الجامعة على أنها إحدى مؤسسات المجتمع الهامة التي تؤثر وتتأثر بالجو الاجتماعي المحيط بها، فهي من صنع المجتمع من جهة وهي أداته في صنع قياداته الإدارية والعلمية والتقنية والمهنية من جهة أخرى, ولم تعد مهمة الجامعة تقتصر على تخريج الكوادر البشرية المؤهلة فحسب بل يتعدى ذلك إلى الإسهام بشكل أكبر في مواجهة تحديات العصر ومتطلباته ونشر المعرفة وتوسيع آفاقها، وبهذا تحول التعليم الجامعي إلى صيغة تفاعل مستمر بين الفرد وبيئته المادية والاجتماعية وأصبح التعليم الجامعي وما يحتويه من طاقات كامنة هو ذلك النوع من التعليم الذي يكون وثيق الصلة بحياة الناس ومشكلاتهم وآمالهم وحاجاتهم. وأصبح الهدف الأول للتعليم العالي تطوير المجتمع والنهوض به إلى أعلى مستوى حضاري وتقني واقتصادي وصحي واجتماعي وثقافي.

ولقد ذكر في أحد التقارير النهائية في إحدى الندوات لوزراء التعليم في الوطن العربي ما يلي: «يجب بذل مزيد من الجهود على المستويات التقريرية والتخطيطية لإحكام الربط بين سياسات التعليم العالي وسياسات التنمية الشاملة ومخططاتها وما يستلزمه ذلك من تطوير وتجديد وتنويع في مؤسسات التعليم العالي من حيث احتياجاتها وهياكلها وبرامجها ومستوياتها».

والجامعة تمثل الدرجات العليا من السلم التعليمي والذي تحرص الدول جميعًا على تطويره وتحسينه والنهوض به مهما كلف ذلك من جهد ووقت وإنفاق واستثمار وذلك لما يضطلع به من مسئولية جسيمة نحو تخريج الأجيال اللازمة لعمليات التنمية ودفع مسيراتها إلى الأمام. ولكي  يوضع ذلك التقويم في إطاره العلمي الصحيح فلعل من المفيد أن نوجز بعض أهداف الجامعة كما يلي:

1ـ الإسهام في تطوير وتحسين الاتجاهات في المجتمع ونشر الثقافة والمعرفة وإشاعتها  بين أفراده.

2ـ تطوير وتشجيع البحث العلمي داخل الجامعة وخارجها.

3ـ العمل على سد حاجة المجتمع من الكفاءات والكوادر المتخصصة والقيادات الوطنية المدربة.

4ـ النظر في مشكلات المجتمع المحيط ومحاولة فهمها وتحليلها والبحث عن حلول مناسبة لها.

5ـ تدريب أصحاب المهارات والكفاءات وإعادة تأهيلهم لمواكبة الجديد والمستحدث في مجالات تخصصاتهم.

إن الباحث في شئون التعليم العالي عندما يتحدث عن الجامعات وتمويلها وعن المنشآت والمرافق الخاصة بها من مكتبات ومعامل ومختبرات وغيرها يتحدث بطبيعة الحال وفي ذهنه أن أستاذ الجامعة هو محور الارتكاز في كل هذا حيث هو موصل المعلومات الأول لطلابه والمؤثر في شخصياتهم وفي بنائهم العلمي كما أنه هو صاحب الباع في مجال البحث العلمي، ومن جهة أخرى فإن الأستاذ الجامعي هو الذي ينفذ سياسات جامعته في ربطها بالمجتمع الذي يعمل فيه وله فهو الذي يقترح البرامج وأوجه النشاط المختلفة التي تخدم المجتمع وهو الذي ينفذ تلك البرامج كما أنه هو الذي يقوم بإجراء عمليات التقويم المختلفة لتلك البرامج والأنشطة بغية تحسينها وتصحيح وجهتها والاستفادة منها، ومن جهة أخرى فإن الأستاذ الجامعي هو الذي يتولى جانبًا هامًا من جوانب تثقيف المجتمع من حيث تدعيم القيم والمثل والمبادئ التي يتبناها ويعتنقها المجتمع، وهو الذي يحفزه صالح مجتمعه وأمانة مسئوليته أن يتصدى للمشكلات التي تعترض سير الحياة في ذلك المجتمع سواء أكانت تلك المشكلات اجتماعية أو اقتصادية أو تقنية أو غيرها فهو بتصديه لها وتحليله لعواملها وبيانه للخصائص الفاعلة والمؤثرة فيها يبين لأبناء أمته الطريق السوي الذي يصح أن يسلكوه. ومسئولية أستاذ الجامعة لا تقتصر على إعطاء المقررات وتلقين المعلومات وتصحيح الامتحانات ورصد الدرجات فحسب بل تتعدى ذلك إلى مشاركة الأستاذ في الإسهام خلال قنوات التعاون المتاحة في الجامعة لخدمة المجتمع في حل معضلة أو عمل دراسة أو إعداد بحث وذلك من منطلق خبراته وتجاربه واهتماماته.

ربط الجامعة بالمجتمع من خلال أستاذ الجامعة:

يجب أن تكون هناك صلة وثيقة بين أستاذ الجامعة وبين القطاعات الأخرى كالهيئات الحكومية والمؤسسات الكبرى، إن وجود مثل هذه الصلة ستعود بنفع كبير للطرفين حيث إن بالإمكان أن يوضع علم وخبرة أستاذ الجامعة في خدمة تلك الجهات في مجال الاستشارات والبحوث والتي تقوم بدورها في تمويل تلك البحوث إذ أن من المسلّم به الآن هو أن الاستثمار في مجالات البحث العلمي واقتصاد المعرفة يعود بالنفع على المجتمع بل بأضعاف ما ينفق عليه، لذلك يجب زيادة وتقوية الارتباط بين الجامعة والمجتمع عن طريق إيجاد قنوات بينهما، ويجب تعريف تلك الجهات وتوجيه أنظارها نحو الاستفادة من الدراسات والأبحاث والرسائل العلمية فهي بحوث أجريت بالفعل ويجب استثمارها والاستفادة منها بدل أن تظل معطلة خاملة على الرفوف أو حبيسة مخنوقة في الأدراج.

ولعل من جملة العوامل والأسباب التي تنمي قدرات أستاذ الجامعة وتصقل ملكاته وتثري عطائاته وإسهاماته وتعينه على تحمل واجباته ومسئولياته سواء داخل الجامعة أو خارجها ما يلي:

1ـ توفير كوادر مؤهلة ومدربة من مساعدي باحثين وهم الأفراد الذين يساعدون أعضاء هيئة التدريس في بحوثهم وتجاربهم ويضبطون لهم أجهزتهم ويساعدونهم في برامج الحاسب الآلي وتحليل النتائج.

2ـ تنشيط وتوفير الإمكانيات لإجراء البحوث التي تساعد على نمو العطاء العلمي وازدهاره.

3ـ الاستفادة من مراكز البحوث و النشر العلمي حيث إن من المفروض أن البحوث العلمية يتم استثمارها والاستفادة منها، ولكن المعروف أنه بعد الانتهاء منها والوصول فيها إلى نتائج معينة تنشر تلك النتائج في المجلات العلمية المتخصصة لتكون في متناول المتخصصين في مجال البحث ليس إلا، كما أن العمل العلمي عندنا تكبله البيروقراطية الثقيلة من حيث الأداء والإنجاز فلا يعقل أن يقوم بعض الأساتذة بتأليف أو ترجمة كتب ثم يظلون ينتظرون أن ترى النور أعوامًا بحجة المراجعة والتحكيم، إن مثل هذه الأمور تطفئ حماس العلماء الجادين أو تجعلهم يتجهون إلى النشر في الخارج حيث التسهيلات المتاحة بل والتشجيع المغري.

4ـ الاهتمام الكافي بحضور أعضاء هيئة التدريس للمؤتمرات العلمية حيث لا يمكن أن نتصور أن مجرد رصد الأموال وبناء المعامل والمختبرات وتجهيزها يكفي كي ينتج العلماء الإنتاج العلمي المطلوب، إن ظهور الأفكار والأفكار المقابلة يخلق ما يسمى بالجو العلمي لهذه الطبقة من العلماء، إن هذه التجمعات التي يلتقي فيها العلماء يعرف أفرادها بعضهم بعضًا من خلال أبحاثهم وتجاربهم وندواتهم ومؤتمراتهم فتزداد احتكاكاتهم العلمية ويغزو إنتاجهم وإسهامهم العلمي.

5ـ مشاركة أعضاء هيئة التدريس في المؤتمرات العلمية والندوات الفكرية، حيث إن هذه اللقاءات بين العلماء تمثل مجالًا رائعًا لتبادل الآراء وتحقيقها ولعرض نتائج البحوث ومناقشة إمكانية تبنيها وتطبيقها، إن من المعروف أن المؤتمرات العلمية توفر البيئة الخصبة لنمو وتبادل الأفكار فهي تتيح اللقاءات الأكاديمية التي يشترك فيها العلماء من دول العالم المختلفة، إن العلماء والباحثين الذين ينعزلون في مجتمعاتهم العلمية في أوطانهم يدورون في حلقات مفرغة في كثير من الأحيان، حقيقة قد يحرزون بعض التقدم وقد يتوصلون إلى بعض الاكتشافات الجديدة أو التطبيقات المستحدثة، ولكن هذه الأمور تظل قيد العزلة ومحلية الصبغة بعيدة عن التجريب العلمي العالمي وبعيدة عن النقد والتمحيص والذي قد يكون مفيدًا جدًا لها ولنموها وتعميقها، ومن هنا يكتسب العلماء الذين يحضرون هذه المؤتمرات والندوات خبرات هائلة كما أن مواهبهم تصقل وتجاربهم تثرى داخل حلقات النقاش وتبادل الآراء فيها.

6ـ ربط البحوث العلمية بخطط التنمية وجذب اهتمامات جهات التنفيذ بما يجري في الجامعات ومراكز البحوث لمتابعتها وإمكانية متابعتها ورعايتها ودعمها... يتبع

أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

قسم الهندسة الكهربائية

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA