مناهج التعليم العام بين الرؤى الفلسفية والرؤية الوطنية (٢ـ٢)

 

... وأتت بعد ذلك النظرية البنائية Constructive وكانت تحدياً للنظرية السلوكية، وتعني التعلم من الخبرة، ويعتبر العالم السويسري جان بياجيه هو منظر هذه النظرية ورائدها، ومن أهم خصائصها أن المتعلم هو محور العملية التعليمية، ويفسر معلومات العالم من حوله بناء على رؤيته الشخصية، ويتم التعلم من خلال الملاحظة والمعالجة والتفسير، ومؤامتها مع المعرفة الموجودة لديه، وعملية التعلم هي عملية إبداعية مستمرة، والمعرفة في الرؤية البنائية هي خبرة المتعلم، وهي موجودة لدى المتعلم وهو من يقوم ببنائها في عقله نتيجة تفاعله مع العالم الخارجي وبدون تدخل المعلم أو الطبيعة، ولكي تحصل عملية التعلم يجب تزويد المتعلم بخبرات تمكنه من ربط الخبرات الجديدة بالخبرات السابقة، من أجل أن يتمكن من إعادة تشكيل المعاني السابقة بما يتوافق مع المعاني العلمية السليمة. ويبذل المتعلم في هذه الحالة جهدا عقلياً كبيرًا من خلال وضع مشكلة وفرض الفروض حتى يصل إلى الحل، وكل متعلم تختلف خبرته السابقة وتحليله للتراكيب عن متعلم آخر، ويأتي دور المعلم في تزويدهم بأفكار وأحداث وفرص تساهم في استخراج ما لديهم من خبرات، كما يساهم المعلم أيضًا في تيسير عملية الاستنباط والاستنتاج للوصول بالمتعلم إلى درجة الابداع والابتكار.

  وتأتي الرؤية الإسلامية كرؤية شاملة توجه المنهج ومحتواه نحو أهدافه، يتم من خلالها قبول بعض ما جاءت به هذه الرؤى الغربية من وجهة نظر الشريعة الإسلامية وإخضاع بعضها للتدقيق والدراسة، ونبرز بعض الأطروحات أو (المعايير) التي تنظر للمنهج من وجهة نظر إسلامية وفقاً للمكاوي (2000) وهي: شمولية المعرفة في الإسهام في تنمية جوانب شخصية المتعلم المسلم، وتحرير العقل من الأوهام والخرافات والأباطيل، وإحياء تراثنا الديني والثقافي، وأن يكون المعلم قدوة في الموقف التعليمي، وليس مجرد ناقل للمعرفة، والاهتمام بالعمل الإنتاجي في إطار من القيم الدينية الاسلامية.

    ويأتي تصميم مناهج التعليم العام السعودي انطلاقاً من مقولة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز حفظه الله «التعليم في السعودية هو الركيزة الأساسية التي تحقق تطلعات شعبنا نحو التقدم والرقي في العلوم والمعارف». وهي مناهج شاملة تساهم في نمو وتشكيل الأجيال السعودية القادمة،  وتبرز أهمية هذه المناهج من خلال المعايير الوطنية التي تضمنتها وثيقة الإطار الوطني لمعايير مناهج التعليم العام في المملكة العربية السعودية (2018) الصادرة من هيئة تقويم التعليم والتدريب والتي تضمنت الأسس التي ترتكز عليها في بناء المعايير والمناهج وتنبثق منها منظومة التربية في جوانبها النفسية والمعرفية والاجتماعية والاقتصادية، وذلك في ضوء النظام الأساسي للحكم في المملكة، وبما يحقق توجهات الدولة، وأخذت ما هو مفيد من هذه الرؤى والنظريات الفلسفية الغربية التي تم استعراضها وفق ما يناسب التصور الإسلامي وبلورتها في مناهج  وطنية حديثة وفق أسس تلبي احتياجات المجتمع السعودي المسلم وهذه الأسس هي: الدين الإسلامي وبما يحتويه من أركان الإسلام والإيمان والإحسان، والتعايش الإنساني بين الأديان والمجتمعات وإرساء الأمن والسلام والالتزام بالمواثيق والمعاهدات الدولية، وتعزيز الصحة العامة من خلال دعم مجالاتها في المناهج ، وتطبيق أفضل الممارسات التربوية والتحولات المعرفية والتقنية والاتجاهات العالمية المعاصرة، والأخذ بالاعتبار خصائص نمو المتعلمين ، وجغرافية المملكة وتاريخها ،  والولاء للوطن وقيادته ، وأهمية اللغة العربية بوصفها لغة القران الكريم وأحد مكونات هوية المملكة وأداة التواصل واكتساب المهارات، وتطبيق هذه الأسس في المناهج بما يخدم استراتيجية تحقيق رؤية المملكة 2030، والتي قد تكون أكثر تأثيرًا وفاعلية فيما لو تم تطبيقها من خلال مفهوم المناهج المتكاملة.

  محمد حسن البحيري

معلم لغة إنجليزية-تعليم الرياض

طالب دكتوراة الفلسفة في التربية-المناهج وطرق التدريس

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA