الأستاذ الجامعي: دوره في تربية الأجيال ودفع التنمية وبناء المجتمع (2-2)

 

..... تعاون أستاذ الجامعة مع القطاعات الأخرى

تمثل الجامعة مركز خبرة موثوقاً به، إذ يتوفر لها أفضل الأطر العلمية المعدة على أعلى مستوى أكاديمي في شتى مجالات التخصص مما يجعلها أهلًا لتقديم الاستشارات التي تطلب منها للمؤسسات والهيئات المختلفة للمجتمع. ويستفيد أستاذ الجامعة من هذا الاتصال على إمداده بالخبرات والتجارب في أعمال ومهمات خارج الجامعة مما يساعد على إثراء تجربته العلمية وتطوير كفاءاته الأكاديمية وصقل خبراته العلمية.

ومن الملاحظ أن خطط التنمية قد تعاني من انفصام حاد بين واضعيها وبين ما يحدث داخل أسوار الجامعات من بحوث ودراسات، إذ يبرز بوضوح غياب دور مؤسسات المجتمع في دعم حركة البحوث العلمية كذلك ضعف مقدرة الجامعات ذاتها لإيجاد صلة مع تلك المؤسسات على نحو ييسر لها صيغًا بديلة لتمويل حركة البحوث فيها، إن وجود مثل هذه الصلة بين الطرفين ليعود عليهما بنفع كبير حيث كان من الممكن أن توضع خبرة وعلم وتجارب أعضاء هيئة التدريس في خدمة هذه الهيئات والشركات والمؤسسات وفي نفس الوقت من الممكن أن تقوم هذه الجهات بإمداد هؤلاء العلماء والباحثين ومساعديهم بالأموال اللازمة لإجراء بحوثهم وتجاربهم وصقلها ونشرها والاستفادة منها.

المساهمة في المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية

تتيح مشاركة أستاذ الجامعة في المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية آفاقًا رحبة وعوالم فسيحة أمامه للتعرف على الجديد في المجالات العلمية المختلفة كما تتيح له التعرف على نظرائه العاملين في حقول التخصص المماثلة، لذلك من الضروري أن يشارك أستاذ الجامعة ببحوث في المؤتمرات العلمية المحلية والإقليمية والعالمية إثراءً لخبراته وتجديدًا لصلاته بزملائه العاملين في مجالات اهتماماته وتخصصاته إذ يتطلب النمو العلمي والمعرفي والمهني لأستاذ الجامعة المشاركة المتواصلة والمساهمة المستمرة في المؤتمرات والندوات المتخصصة وعضوية الجمعيات العلمية والمهنية حيث تؤمِّن تلك الأجواء بيئات خصبة للإبداع والابتكار والتأصيل والتميز في مجالات البحث والتدريس، وعليه فإن غياب أستاذ الجامعة عن تلك اللقاءات والجمعيات يفقده عاملًا مهما من عوامل النمو والتطور والانتشار، إن هذه اللقاءات بين العلماء تمثل مجالًا رائعًا لتبادل الآراء والأفكار ووجهات النظر ولعرض نتائج البحوث ومناقشة إمكانيات تطبيقاتها والإفادة منها، إن العلماء والباحثين الذين ينعزلون في مجتمعاتهم العلمية في أوطانهم يدورون في حلقات مفرغة في كثير من الأحيان، حقيقة قد يحرزون بعض التقدم وقد يتوصلون إلى بعض الاكتشافات الجديدة أو التطبيقات المستحدثة، ولكن هذه الأمور تظل محلية الصبغة بعيدة عن التجريب العلمي العالمي وبعيدة عن النقد والتمحيص والذي قد يكون مفيدًا جدًا لها ولنموها وتعميقها، ومن هنا يكتسب العلماء الذين يحضرون هذه المؤتمرات والندوات خبرات هائلة كما أن مواهبهم تصقل وتجاربهم تثرى داخل حلقات النقاش والحوارات وتبادل الآراء والأفكار فيها.

مسئولية أستاذ الجامعة في خدمة المجتمع

لا تقتصر مسئولية أستاذ الجامعة في جامعته على قيامه بتدريس المقررات وتلقين المعلومات إذ ينبغي أن يكون له إسهام آخر في البحث العلمي والقيادة العلمية الجماعية، لذا ينبغي أن يشارك الأستاذ مشاركة فعالة في الإسهام في خدمة المجتمع خلال قنوات التعاون المتاحة في الجامعة لخدمة المجتمع تكليفًا أو تطوعًا وأن يقدم خدمات في مجال اختصاصه أو حسب إمكاناته وخبراته، فعليه مثلًا أن يسهم في الأعمال الإدارية واللجان التطويرية ويكون عضوًا في لجنة أو عدة لجان مؤقتة أو دائمة وأن يضطلع بأعباء إدارية مثل رئاسة القسم وعمادة الكلية وإدارة مركز البحوث وخدمة المجتمع ورعاية الأنشطة العلمية والثقافية وغير ذلك من الأعمال ذات العلاقة بخدمة الجامعة والمجتمع على حد سواء، كذلك يكون له إسهام ملموس من خلال اللجان ذات الطبيعة المحددة: كأن يتم انتدابه للعمل في إحدى فرق العمل للمشاركة في حل معضلة أو عمل دراسة أو إعداد بحث وذلك من منطلق خبراته وتجاربه وممارساته واهتماماته، وإذا لم يشترك قط في لجان دائمة أو مؤقتة أو لا يضطلع بمهمات إدارية أو يقم بأعمال يمكن تصنيفها تحت خدمة الجامعة أو خارج الجامعة فإن هذه علامة غير إيجابية في سجله قد تنعكس سلبًا في تقييم الأستاذ بالجامعة وبالتالي تكون عائقًا في سبيل ترقيته وسُلَّمه الوظيفي.

 

التفرغ العلمي

يحتاج أستاذ الجامعة إلى وقت كافٍ لتجميع أفكاره وتركيز جهوده وتجديد قدراته للمساهمة بإنتاج علمي متميز يعود عليه بالفائدة وعلى الجامعة بمساهمة علمية وعملية واضحة وبارزة، ولهذا السبب فإن فترة التفرغ العلمي تعتبر فترة بالغة الأهمية لأستاذ الجامعة إذ يستطيع خلالها أن يجد الوقت الكافي للعودة إلى أبحاث سابقة لإكمالها وأبحاث مستجدة لعملها وإنهائها مثل عمل الدراسات والبحوث وتأليف الكتب الدراسية مما قد يكون من الصعب التفرغ له وإنجازه أثناء عمله في الجامعة بسبب المحاضرات والأعباء التدريسية واللجان والأنشطة الأخرى، كما يجد فيها فرصة لزيارة الجامعات والمعاهد العلمية ولقاء علماء آخرين متخصصين في بيئات وأجواء أكاديمية أخرى في مجال اهتماماته، وقد تساعده هذه الفترة أثضًا على إكمال المتطلبات للترقية إلى الدرجة العلمية التالية.

التطوير المهني

يكتسب أستاذ الجامعة خبرات واسعة من خلال عمله الأكاديمي ونشاطاته البحثية لأن أساليب التدريس والبحوث تتغير وتتطور على نحو مستمر بحكم ما يطرأ على المسيرة التعليمية ومناهجها ومناحي البحث وطرائقه من متغيرات ومستجدات في المفاهيم والأساليب والأفكار، إن الخبرات التي ستتاح لأستاذ الجامعة في مجال تطوير المهارات وتحسين القدرات سينعكس أثرها بشكل بارز ومحسوس على أداء متميز له في كيفية نقل المفاهيم العلمية والعملية وتيسيرها في أذهان الطلاب وتهيئة البيئة المريحة والمناخ الملائم لتفاعلهم واستمالتهم واكتساب ثقتهم، ويمكن فيما يلي تلخيص مجالات الخبرات التربوية والمهنية والتي يمكن أن تتاح لأستاذ الجامعة بغية تحسين أدائه وتطوير كفاءته نحو الأفضل، وهي كما يلي:

1ـ تبني أساليب التدريس الحديثة فليس المؤهل وحده كاف للتصدي للعملية التعليمية إذ لا بد وأن يكون ثمة توجيه وتدريب وصقل للقدرات الذاتية والملكات العقلية لأستاذ الجامعة والذي عليه المعول الأكبر في تربية الأجيال وإعدادهم لتحقيق الآمال المعقودة عليهم والأهداف المناطة بهم.

2ـ مواكبة الطرق التربوية المثلى في أساليب التعامل مع الطلاب وكيفية معالجة وتذليل مشاكلهم الدراسية والجانبية والتي قد تؤثر سلبًا على أدائهم (مثل المرض لمدة طويلة والتخوف والتهرب من الامتحانات، كذلك قسوة الظروف النفسية والضغوط الأسرية، إلخ).

3ـ كيفية التغلب على المشاكل الإدارية والتعريف والتوعية بقوانين ولوائح الجامعة وبخاصة ما يتعلق منها بمسيرة الطالب التعليمية وما يرتبط بها من حقوق له وواجبات عليه.

4ـ طرق وأساليب الإشراف العلمي على رسائل الدراسات العليا وكيفية توفيرالجو العلمي والبحثي المناسب الذي يتيح للطالب أن يستغل ملكاته وقدراته ويخرج كل ما في «حصيلته» من أفكار وتطلعات.

5ـ الاستعانة بكفاءات وبرامج وخبرات عالمية أخرى وعدم الاكتفاء بالبرامج المحلية فالاطلاع والاستئناس بآراء لها باع طويل ومراس واسع في مضمار التدريب لهو هام جدًا.

وختاماً، إذا كانت الدول تصرف أموالًا طائلة و تتكبد تكاليف باهظة لإعداد أساتذة الجامعة من حيث ابتعاثهم والصرف عليهم وتغطية نفقاتهم الدراسية والمعيشية فهي تدرك إدراكاً تاماً أنه استثمار مجد سيكون له أفضل مردود في سبيل تعليم وتخريج أجيال تتسلم مسئوليات الوطن وقيادته والأخذ به في مدارج التنمية والبناء والتطور والرخاء.

أ.د. عبد الله بن محمد الشعلان

قسم الهندسة الكهربائية

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA