تعد العادات الغذائية الخاطئة من الأسباب الرئيسية للأمراض العصرية مثل متلازمة الأيض والسمنة والسكري وضعف المناعة والسرطان وغيرها من الأمراض، لهذا فاتباع النمط الغذائي الصحي من الضروريات للحصول على الحياة الصحية الخالية من الأمراض، خاصة في عصر كورونا وما نتج عنه من تغير في نمط الحياة وقلة الحركة؛ لذا يجب التمسك بنمط الحياة الصحي خلال المراحل العمرية المختلفة للحفاظ على الوزن المثالي للجسم والوقاية من الأمراض العصرية. وتعد الحميات الغذائية مثل حمية الصيام المتقطع وحمية السوائل والكيتو والزون وداش وأتكينز وغيرها من الأنظمة الغذائية الناجحة لإنقاص الوزن والتغلب على السمنة وغيرها من الأمراض، ولكن اتباع هذه الحميات قد ينتج عنه الإمساك والملل والأرق واضطرابات النوم نتيجة التقييد بتناول أطعمة معينة، وغالبا ما ينتج عن هذه الحميات الانتكاسة واكتساب الوزن السريع بعد التوقف عن اتباع الحمية، وتعد حمية الدوبامين هي الأفضل للتغلب سلبيات الحميات الأخرى فهي تمتاز بالمرونة والتنوع، وتعتمد حمية الدوبامين على تناول الأطعمة المتنوعة الغنية بالبروتينات وغيرها من العناصر الغذائية التي تساعد على الشعور بالشبع وتعزيز إنتاج النواقل العصبية مثل السيروتونين والدوبامين وغيرها من الهرمونات المساعدة في النظام الحركي وتنظيم المزاج والنوم والشهية والهضم والقدرة على التعلم وتعزيز الذاكرة، فالبروتينات غنية بالأحماض الأمينية الضرورية، خاصة التيروزين “Tyrosine”، والتربتوفان “Tryptophan”، الضروريان لتعزيز إنتاج الدوبامين والأدرينالين والسيروتونين وغيرها من المواد الكيميائية المعززة لكيمياء السعادة، كما أن هذه الأحماض الأمينية ضرورية لإنتاج النواقل العصبية وهرمونات الغدة الدرقية التي تتحكم في التمثيل الغذائي وغيره من وظائف الجسم، ويعد كلا من الدوبامين والسيروتونين من المواد الكيميائية التي تتحكم في وظائف الجهاز الهضمي والشهية والشعور بالسعادة، لذا تسمى حمية الدوبامين بحمية السعادة، وقد أكدت الدراسات أن تناول اللحوم ومنتجات الألبان والبيض والبقوليات ينتج عنه قلة الشهية ومؤشر كتلة الجسم مع تحسن الحالة المزاجية، لذا تعد هذه الحمية من العوامل المساعدة في علاج الاضطرابات المزاجية.
كما تعتمد حمية السعادة على تناول الأحماض الدهنية الضرورية المتوفرة في الأسماك والمكسرات وزيت الكنوا والكتان والذرة وغيرها، فهذه الأطعمة غنية بالأحماض الدهنية أوميغا 3 مثل حمض الدوكوساهيكسانويك DHA” “وحمض إيكوسابنتانويك “EPA”، وغيرها من الدهون الضرورية، التي تدعم إنتاج مركبات الـكانابينويدات الداخلية” “Endocannabinoids، الداعمة لعمل الدماغ والشعور بالبهجة والتغلب على الاكتئاب وتقوية التمثيل الغذائي مع تقليل النهم الغذائي، كما أن الدهون الصحية غنية بفيتامين د “الذي يساعد في التغلب على الاضطرابات المزاجية التي ينتج عنها الرغبة الشديدة في تناول الطعام، وقد أشارت دراسات عديدة إلى نجاح زيت الزيتون وزيت جوز الهند في تقليل الشهية والحفاظ على مؤشر كتلة الجسم الصحي، وذلك لغناها بالدهون الصحية MUFA»، والتي تحفز التمثيل الغذائي والتخلص من الدهون الزائدة في الجسم، كذلك الرائحة العطرية لهذه الزيوت تدعم إفراز هرمون السيروتونين يدعم الشعور بالشبع، كما تعد الشوكولاتة الداكنة والقهوة من مكونات حمية السعادة لغناها بمركبات الكافيين والثيوبرومين ومركبات الفلافونويد وغيرها من المواد التي تزيد من التدفق الدموي للمخ وتدعم صحة الدماغ وتعزز الحالة المزاجية، كما أن هذه المواد تعزز إفراز الأدرينالين والدوبامين والسيروتونين، فيتحفز التمثيل الغذائي والتخلص من الدهون المتراكمة في أعضاء الجسم، كما أن الشوكولاتة الداكنة تؤثر على مستويات هرمون الجريلين الذي يتحكم في الشهية والإحساس بالجوع. كما تعتمد حمية السعادة على استنشاق بعض الزيوت العطرية مثل القرفة والنعاع والموز والتفاح والفانيليا والزيتون وغيرها عند الإحساس بالجوع، فهذه الزيوت العطرية تدعم إفراز الدوبامين والسيروتونين فينخفض الشعور بالجوع مع تقوية التمثيل الغذائي والتخلص من الشحوم. كذلك تعمل الروائح العطرية للزنجبيل والثوم والفلفل والورد والقرنفل والبردقوش والشمر والكافور والليمون والفانيلا والياسمين واللافندر وغيرها، فكل هذه الروائح العطرية تحدث تأثيرًا سريعًا على المراكز العصبية في الدماغ فيشعر الإنسان بالشبع وعدم الرغبة في تناول الطعام، فيتم حرق المزيد السعرات الحرارية المخزونة في الدهون.
كما يعد تناول الكربوهيدرات ذات المؤشر السكري المنخفض “Glycemic Index”، من معززات حمية الدوبامين والسيروتونين، وتتوفر هذه الكربوهيدرات في الفاكهة والحبوب الكاملة والخضروات الطازجة، كما يجب أن تشتمل هذه الحمية على الفيتامينات والأملاح والألياف الغذائية تعطي الإحساس بالشبع وتعزز صحة الجهاز الهضمي. كما ينصح باحتواء حمية السعادة على الأطعمة ذات السعرات السالبة كوجبات خفيفة، فهذه الأطعمة تحتاج لسعرات أكثر لهضمها وامتصاصها من تلك المستمدّة منها، وتشمل هذه الأطعمة الجريب فروت والجزر والفطر والخس والأناناس والبابايا والجرجير والبروكلي والتوت والكرافس والخيار والقرنبيط والملفوف واللفت والسبانخ. ومن عوامل نجاح حمية السعادة التحكم في السعرات بحيث تكون (1200 - 1500) سعرا حرارياً / يوم عند الرغبة في إنقاص الوزن، أما عند الرغبة في تثبيت الوزن فيكون إجمالي السعرات (2000-2400). وينصح بعدم الإفراط في تناول البروتينات والدهون والكربوهيدرات لتجنب الأثر السلبي لهذه المواد علي الكبد والكلى والقلب وغيرها من أعضاء الجسم، قال الله تعالي ) وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم )حَسْبُ ابْنِ آدَمَ أَكَلَاتٌ يُقِمْنَ صُلْبَهُ) ، كذلك ينصح الكثير بشرب الماء الذي يرطب الجسم ويخلصه من السموم، قال الله تعالى ) وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ(، أيضا تنظيم ساعات النوم من 7 إلى 9 ساعات، الضروري لعمل الإصلاحات الفسيولوجية التي تساعد الجسم على تحفيز إنتاج الطاقة و تجديد الخلايا وتعزيز المناعة وكيمياء السعادة ، قال الله تعالى ( وَهُوَ الذى جَعَلَ لَكُمُ الليل لِبَاسًا والنوم سُبَاتًا وَجَعَلَ النهار نُشُورًا). أيضا من العوامل المساعدة علي نجاح حمية السعادة بتعزيز الدوبامين والسيروتونين، ممارسة الهوايات مثل القراءة والكتابة والرسم والتلوين واليوغا والتأمل والاسترخاء وتصفح الانترنت وممارسة الرياضة السهلة المفضلة وأداء بعض الأعمال المنزلية والتغلب على الجوع العاطفي والكاذب. وتعد حمية السعادة من أفضل الحميات ويمكن أن تكون نمط حياة للتخلص من الوزن الزائد مع عدم الملل وتحقيق السعادة والوقاية من أمراض العصر بإذن الله.
أ. د. جمال الدين ابراهيم هريسه
أستاذ الكيمياء الحيوية والتوجيه الدوائي
كلية الصيدلة
إضافة تعليق جديد