أسرار تنظيم دورات النوم وضبط الساعة البيولوجية

 

 

 

يعد النوم آية من آيات الله التي تدعو إلى التأمل والتدبر في خلق الله الذي أحسن كل شيء خلقه، قال الله تعالى (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُم بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُم مِّن فَضْلِهِ ۚ إِنَّ فِي ذَٰلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)، وقال أيضاً (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا). وبعد انتهاء شهر رمضان يواجه البعض صعوبة في تنظيم أوقات النوم نتيجة التعود على النوم في أوقات متأخرة، فيتنج عن ذلك اختلال الساعة البيولوجية، وهذا الأمر قد ينتج عنه حدوث اضطرابات النوم المزمنة فيكون الإنسان عرضة للإصابة بالأمراض النفسية وأمراض القلب والسكري والسمنة والسرطان وغيرها من الأمراض. ويعد النوم الصحي من الاحتياجات الفسيولوجية الرئيسية لجسم الانسان، حيث يلعب النوم الصحي دوراً محورياً في تنظيم التمثيل الغذائي وتحسين الحالة المزاجية وتعزيز المناعة والتخلص من السموم، كما يعد النوم الصحي ضرورياً لعمل الغدة الصنوبرية في الدماغ التي تتحكم فيعمل الساعة البيولوجية تنتظم وظائف الجسم بإفراز الميلاتونين والعديد من المواد الكيميائية الأخرى ارتفاعاً وانخفاضاً، وهذا ينتج عنه الإيقاع الصحيح لوظائف الجسم ليلاً ونهاراً.  وعندما تحدث اضطرابات النوم تتراكم البروتينات السامة وغيرها من المواد الضارة في خلايا الجسم وهذا يؤثر سلباً على وظائف جميع أعضاء الجسم، خاصة الجهاز العصبي مما يسبب الإصابة بالخرف وألزهايمر والتدهور المعرفي.  كما أكدت الدراسات أن اضطرابات النوم ينتج عنها اختلال عمل الساعة البيولوجية مما يؤثر سلـباً على وظائف الجسم، فيحدث الأرق والاكتئاب ومتلازمة الأيض والسرطانات وأمراض المخ وعدم التركيز وقلة تحصيل العلم وضعف الإنتاج وغيرها من العواقب المدمرة لقلة النوم.

 ويمر النوم الصحي بخمس مراحل، فعندما يبدأ الانسان في النوم مباشرة تقل حركة العين وينتج العقل موجات تدعى موجات ثيتا وألفا، وهذه المرحلة قصيرة تستغرق5-10 دقائق وفي هذه المرحلة يمكن للإنسان الاستيقاظ بسهولة، وهذه هي المرحلة الأولى للنوم الصحي.  أما في المرحلة الثانية تبدأ موجات العقل بالازدياد ثم تتباطأ فيخلد الإنسان في نوم خفيف، ويمكن للإنسان أن يستيقظ في المرحلة الثانية بسهولة، وإذا كان الانسان يرغب في القيلولة فمن الأفضل أن يستيقظ دون الشعور بالتعب، وخلال المرحلة الثانية من مراحل النوم يصبح الإنسان أقل وعيًا بما يحيط به وتنخفض درجة حرارة الجسم وتتوقف حركة العين ويكون معدل ضربات القلب منتظماً. ثم بعد ذلك تبدأ المرحلة الثالثة بالخلود في النوم العميق وبذلك تتباطأ موجات العقل بشكل أكثر، وتتحول الموجات ثيتا وألفا إلى موجات دلتا. في هذه المرحلة تتوقف جميع نشاطات العضلات وتحركات العين ويصبح الإنسان أقل إدراكاً لما يدور حوله، وفي هذه المرحلة من دورة النوم يكون صعب الاستيقاظ،  بعدها تبدأ المرحلة الرابعة تنخفض موجات الدماغ وتحدث الإصلاحات الفسيولوجية تساعد على تجديد الأنسجة والعضلات وتقوي الجهاز المناعي وتحفز نمو الخلايا ويزيد إنتاج الطاقة وإصلاح DNA. وهذه المراحل الأربعة الأولى من دورة النوم تسمى نوم حركة العين غير السريعة NREM”. أما المرحلة الخامسة تسمي مرحلة حركة العين السريعة” REM”، وفيها تبدأ موجات المخ بالازدياد مرة أخرى، وتحدث الأحلام ويتحفز القلب وضغط الدم وحركة العينين وهذه المرحلة تساعد على تعزيز الذاكرة والتعلم.  ومن خلال المرحل الخمس للنوم الصحي يقوم العقل بتخزين المعلومات والتجارب في الذاكرة طويلة المدى. وتستغرق المراحل الخمس للنوم الصحي « دورة النوم الكاملة «90 دقيقة تقريباً، وللحصول على النوم الصحي بين (7 الى 9 ساعات) يجب أن تكرر دورة النوم الكاملة من 4-6 مرات. 

وللحصول على النوم الصحي وضبط الساعة البيولوجية فلابد من الاستيقاظ مبكراً والتعرض الكافي لضوء الشمس وتقليل النوم نهاراً والحد من شرب القهوة، وممارسة الرياضة.  كما يجب البعد عن مشاهدة الأفلام العنيفة والبعد عن الشاشات والحوارات الجدلية، أيضا للعلاقات الاجتماعية الصحية تحسين الحالة المزاجية والمساعدة على النوم بشكل طبيعي بتقليل الضغط على المخ.  كما يعد تناول الغذاء الصحي المتوازن الذي يحتوي الفيتامينات والمعادن والعناصر الغذائية الأساسية الأخرى من أسرار تحسين جودة النوم وتعزيز الإيقاع البيولوجي. فتعد الحبوب والخميرة الغذائية والبيض والأسماك ومنتجات الألبان والحمص والخضروات الورقية والموز والمكسرات وبذور اليقطين والكتان من الأطعمة الضرورية لعمل الجهاز العصبي وتحفيز الميلاتونين والسيروتونين وغيرها من هرمونات النوم. فيحتوي الموز على «التربتوفان» الضروري لتخليق الميلاتونين والسيروتونين الضرورية لدعم وظائف الجسم الحيوية وتحقيق السعادة وتنظيم دورات النوم والاستيقاظ والحماية من الأرق والاكتئاب، كذلك تناول الكربوهيدرات يزيد من امتصاص التريبتوفان. كما أن الأسماك تحتوي على فيتامين «د» وأحماض أوميجا 3 التي تعزز إنتاج المواد الضرورية للمساعدة على النوم الصحي.  كما يمكن الحصول على النوم الصحي وضبط الإيقاع البيولوجي للدماغ من خلال الحفاظ على النشاط العقلي والبدني والوزن الصحي وعدم تناول المخدرات والمنبهات والتدخين. كذلك الايجابية والتفاؤل وعلو الهمة والمحافظة على العبادات خاصة الصلوات الخمس بطمأنينة وخشوع من الضروريات لتنظيم النوم وضبط الإيقاع البيولوجي الصحيح للجسم. كل ذلك يؤدى إلى تعزيز إفراز هرمونات النوم الميلاتونين والإندورفين والسيروتونين وضبط الساعة البيولوجية مما ينتج عنه الحصول على النوم الصحي والوقاية من الأمراض بإذن الله.

 

 

أ. د. جمال الدين ابراهيم هريسة

أستاذ الكيمياء الحيوية والتوجيه الدوائي

كلية الصيدلة

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA