أسرار التغلب على التشتت الرقمي والإدمان الالكتروني

 

يُعدّ التشتت الرقْمي أخطر الآفات التي يعاني منها الإنسان في العصر الحديث “عصر الرقمنة»، كما يعد الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي من أسباب التشتت، وفقد الذات، وعدم القدرة على الإصغاء والقراءة العميقة والإبداع والتأمل.  و تعتمد الرقمية على استخدام الويب  والأجهزة الذكية بديلاً لذاكرة الإنسان ، وهذا قد  يؤدي إلى إفراغ العقول من ثرواتها، وهذا من التأثير السلبي للرقمية؛ لذا يجب الاعتدال في الاعتماد  على الرقمية،  و فطم النفس عن الأجهزة الالكترونية؛ للوقاية من الانحراف التكنولوجي،” وهو الإفراط في استخدام التقنية حتى الوصول  لمرحلة الإلهاء الرقمي”Digital Distraction”. فالإفراط في استخدام الأجهزة الرقمية ووسائل التواصل الاجتماعي ينتج عنه التشتت الرقْمي «Digital Distribution    ”والإدمان الالكتروني  ، وهذا ينتج عنه نقص التركيز، والانطواء، وفرط الحركة، والتباعد الاجتماعي، وقلة الإنتاج. فالإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي يؤثر سلبًا على التركيز، ويسبب الإصابة بضعف الانتباه وقلة تحصيل العلم.  حيث يؤدي التشتت الرقْمي والإدمان الالكتروني إلى اضطراب الساعة البيولوجية، والإجهاد، وقلة النوم، والإصابة بالأرق والاكتئاب، وغيرها من الأمراض النفسية والجسدية. فالضوء والموجات المنبعثة من الأجهزة الالكترونية تؤثر  سلبًا على توازن الهرمونات المسؤولة عن تنظيم الساعة البيولوجية مثل الميلاتونين وغيره، هذه الهرمونات تتحكم في نوم ويقظة الإنسان وغيرها من وظائف الجسم. وباختلال الساعة البيولوجية تحدث اضطرابات النوم؛ حيث تتراكم المواد السامة في الخلايا، فتقلّ فرص إصلاح الخلل الجيني والخلوي، مما يؤدي إلى  خلل وظيفي في أعضاء الجسم لاسيما الجهاز العصبي، فينتج عن ذلك ضعف الذاكرة، وعدم التوازن بين النظام المعرفي والنظام السلوكي، وقلة تحصيل العلم، والإصابة بالخرف وألزهايمر. وقد أكدت الدراسات أن التشتت الرقمي والإدمان على وسائل التواصل الاجتماعي من الأسباب الرئيسية لاضطرابات النوم،   والإصابة بالأرق والاكتئاب، ومتلازمة الأيض، وقصور الجهاز المناعي، وأمراض القلب، والسكري، والسمنة، وضعف الصحة الإنجابية، والسرطان، وغيرها من الأمراض. بالإضافة إلى عدم التركيز وضعف الإنتاج وغيرها من العواقب المدمرة للتشتّت الرقْمي والإدمان الالكتروني.

ويمكن للإنسان التغلب على التشتّت والإدمان الالكتروني الذي يحدث في عصر الرقمنة بالإدارة الجيدة للوقت، فعلى الإنسان أن يدرك أهمية الوقت والاستفادة منه كلما أمكن، قال الله تعالى: (وَالْعَصْرِ، إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ، إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ، وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما من يوم ينشق فجره إلا وينادي مناد، يا ابن آدم، أنا خلق جديد، وعلى عملك شهيد، فتزوَّد مني فإني لا أعود إلى يوم القيامة).  وقال بعض الحكماء: « من أمضى يومًا من عمره في غير حق قضاه، أو فرض أداه، أو مجد أثّله، أو حمد حصّله، أو خير أسسه، أو علم اقتبسه، فقد عقّ يومه»،  فالاستفادةُ من الوقت والإدارة الجيدة له من الضروريات للتغلب على   التشتت الرقمي وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي. وقد أشار أحد علماء التنمية البشرية إلى أن عمل الانسان لمدة   15 دقيقةً يومياً في أمور مفيدة سوف يحقق له نجاحات كثيرةً على مدى العمر»، وهذا ما يُسمى « قانون ال 15 دقيقة “، وعلى مدى اليوم والشهر والسنة سيصل إلى مراده، ويتغلب على   التشتت الرقمي وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي.  فإذا حافظ الإنسان  على ١٥ دقيقةً يوميًا للمجهود البدني - ولو بالمساعدة في الأعمال المنزلية - سوف يجد أثرًا إيجابيًا على صحته. كما أن المحافظة على القراءة 15 دقيقةً يومياً يحفز وظائف المخ، ويساعد على تطور الفهم والقدرات المعرفية، ويقي من القلق والاكتئاب وأمراض أخرى كثيرة بالتغلب على التشتت الرقمي. كذلك تخصيص 15 دقيقةً يوميًا للكتابة يمكّن الإنسان من أن يكتب موضوعًا كل يومين، وسوف يستطيع بذلك  تأليف  كتاب في نهاية العام بدلاً من التشتت الرقمي. كذلك يمكن للإنسان تخصيص ربع ساعة لتعلم لغة أو مهارة أو حرفة جديدة. أضف إلى ذلك إعطاء الجسم فرصةً للاسترخاء والتأمل والراحة خلال 15 دقيقة  في فترة «القيلولة»، إذ يساعد ذلك على ضبط الساعة البيولوجية، وإعادة الشحن الدماغي، والوقاية من أمراض عديدة. ويمكن للإنسان أن يخصص ربع ساعة يوميًا لقراءة جزء من القرآن الكريم، والجزء ب 100 ألف حسنة، وعلى مدار الشهر سيختم القرآن، أي 3 ملايين حسنة، وعلى مدار السنة سيختم 12 ختمةً، أي 36 مليون حسنة، وهكذا على مدار العمر والله يضاعف لمن يشاء. كما يمكن تخصيص 15دقيقةً يوميًا لتربية وتعليم الأولاد، والترفيه عن النفس، وكذلك يمكن تخصيص 15 دقيقةً لصلوات الفروض والنوافل، وللأذكار، وللتواصل مع الأرحام. وكل ذلك ممكن بالتغلب على   التشتت الرقمي وإدمان وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال البعد عن الأجهزة الالكترونية قبل النوم بمدة مناسبة، ويساعد على ذلك أيضًا الإيجابية والتفاؤل، وعلو الهمة، والمحافظة على العبادات، قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم ۖ واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه وأنه إليه تحشرون)، فأداء الصلوات الخمس والأذكار بطمأنينة وخشوع، وتخصيص وقت لأداء النوافل وقيام الليل والعمل التطوعي وغيرها من أعمال الخير من الضروريات للتغلب على   التشتت الرقمي والإدمان الالكتروني. وكل ذلك يؤدي إلى تعزيز التوازن في إفراز هرمونات النوم: الميلاتونين والإندورفين والسيروتونين، وضبط الساعة البيولوجية، والوقاية من الأمراض بإذن الله.

أ. د. جمال الدين ابراهيم هريسه

كلية الصيدلة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA