قراءة الرواية أم مشاهدة الفلم؟

ثقافية رسالة الجامعة تسأل:

 

رسالة الجامعة ـ أريج السويلم

 

تجيب الدكتورة سماهر الضامن الأستاذ المساعد بقسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود والمتخصصة في الأدب المقارن والدراسات الثقافية :

قد يبدو لوهلة أن الجواب الأمثل هنا هو أن الأمر يتعلق بالتفضيلات الشخصية، أي أن هناك من يفضلون المشاهدة، وبالتالي فإنهم سيختارون الأفلام، وهناك من يميلون لتفضيل القراءة وبالتالي سيختارون الرواية. ثمة من يرى أيضًا أن قراءة الروايات بما فيها من تفاصيل كثيرة وطويلة وغير ضرورية لا تلائم عصرنا الحديث السريع والسائل،وأن الأفلام يمكنها تكثيف التجربة ومنحنا نتيجة أسرع بجهد أقل. لكن الرأي الذي أميل له أكثر هو أن قراءة رواية ومشاهدة فلم هما تجربتان مختلفتان بالكلية، وبالتالي فإن المقارنة بينهما أشبه ما تكون بمقارنة التفاح بالقهوة. فالرواية، التي هي منتج فردي بالأساس، توفر للخيال مادة خصبة دون أن تحده بنظرة المخرج أو عدسة المصور كما يحدث مع مشاهدة الأفلام، يشكل الكتاب مشاهد أو صورًا مجردة من خلال الكتابة بينما يقوم القراء بتركيبها بطريقتهم، كما أن قراءة الروايات، مثل أي نشاط يتعلق بالقراءة، تحتاج قدرًا أدنى من العزلة والتركيز، ولذا فهي من هذه الناحية أشبه بتمارين الاسترخاء التي تعود من يمارسونها على التأمل والصبر وعدم تعجل النتائج، وربما الأهم فيما يتعلق بطبيعة عصرنا السريعة أن القراءة (ولاسيما قراءة الرواية) مرتبطة بالراحة وفائض الوقت، والذي يعني بلغة اليوم تنظيم الأولويات والحفاظ على الوقت المخصص للقراءة (حتى إن كان في ذلك مشقة) لأنها تمثل بالنسبة لكثير من الأشخاص منطقة راحة وأمان. أما الفلم فإنه يوفر تجربة بصرية وسمعية إلى جانب عناصر السرد والحوار. كما أنه عمل فريق متكامل وليس عمل المؤلف وحده؛ الفلم يقوم على أداء الممثلين، وكتابة السيناريو، والتأليف الموسيقي، والتصوير، والمونتاج، وتعديل الألوان، وتركيب الأصوات، وصناعة الأزياء، والإخراج، كما أن المشاهدة لا تتطلب تلك الدرجة من العزلة التي تتطلبها القراءة، وبالتالي يمكن أن تكون مشاهدة الأفلام نشاطاً اجتماعياً أو عائليًا يمكن الاستمتاع به في دور العرض المجهزة بأحدث التقنيات الصوتية والبصرية، فتكون تغذية للسمع ومتعة للبصر بأبعاد مختلفة. كما يمكن مشاهدة الأفلام في المنزل وهي تجربة أخرى توفر العديد من الخيارات. فالمقارنة غير متحققة لأننا نتعامل مع وسيطين مختلفين يؤديان وظيفتين مختلفتين.

على أن هذا السؤال يزداد إلحاحًا حين يكون الفلم مقتبسًا عن رواية. إذ يتساءل القراء دائماً إن كان الفلم قد قدم الرواية بأحداثها وشخصياتها بشكل جيد، وهل ساهم في شعبيتها إن كانت ذات شعبية؟ أم إنه أفسدها وأخل بأحداثها ولم ينقلها بشكل أمين؟ هناك رأي سائد بين جمهور القراء أن أكثر الأفلام المقتبسة عن روايات لم تكن بجودة الروايات ولا يمكن أن تصل لمستواها. ويبدو أن السبب في الغالب هو تعلق القراء ببعض الأعمال وتقديرهم لها للحد الذي يجدون أن الأفلام تحد من إمكانات التخيل فيها وتضعف عن الإحاطة بتفاصيلها ومستوى اللغة فيها. لكني أرى أن التركيز على المقارنة، حتى في هذه الحالة غير مجد للأسباب التي ذكرتها سابقاً. ولعل السؤال ينبغي أن يتركز هنا على ما إذا كان الفلم المقتبس عن الرواية هو فلم جيد عمومًا (من ناحية الموسيقى التصويرية، حيل الكاميرا ولقطاتها وزواياها، جودة التمثيل وغيرها من العناصر) بغض النظر عن نقله للرواية بشكل أمين ودون سعي لمقارنته بها. عن نفسي أحرص على مشاهدة الأفلام المنقولة من روايات أعرفها، كما أحرص على قراءة الروايات التي حولت لأفلام سبق لي مشاهدتها، وأجد في كليهما تجربة ثرية.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA