يوم الوطن..

 

اليوم، يوم الوطن، اليوم يوم شكر المنعم الوهاب والثناء عليه، الذي يسر لنا وطناً ليس مثله في الدنيا وطن.. فيه أقدس بقاع الأرض وأحبها إلى الله -عزّ وجلّ- وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، يتجه إليه المسلمون في صلواتهم حيثما كانوا ،ويتوافدون إليه زرافات ووحداناً من كل فج عميق كل عام، للحج والعمرة والزيارة، وتشرئب إليه أعناق الناس في قارات الدنيا كلها، للعمل والتمتع بحياة ملؤها العدل والأمن والأمان والاستقرار. 

أجل.. في يوم الوطن، علينا جميعاً الابتهال إلى المنعم الوهاب الذي يسّر لنا وطناً شامخاً راسخاً ثابتاً آمناً مطمئناً  مستقراً، غدا شامةً بين دول العالم، بعد أن كنّا قبائل متفرقةً متناحرة، يقتل بعضها بعضاً على الكلأ والماء والنفوذ. أجل، هكذا كان الحال، حتى ذلك اليوم المشرق الباسم في تاريخنا المجيد، يوم الخامس من شوال عام 1319هـ، الموافق للخامس عشر من شهر يناير عام 1902م.. يوم نادى المنادي من أعلى حصن المصمك: إن  الملك لله ثم لعبد العزيز بن عبد الرحمن. 

أجل، في ذلك اليوم المهيب، كتب المؤسس الملك عبد العزيز بن عبد الرحمن الفيصل آل سعود ورجاله الرواد الأوفياء الذين حملوا أرواحهم على أكفهم بكل شجاعة ويقين وإيمان وثقة في نصر الله، غير آبهين بتلك الأخطار الجسيمة، كتب عبد العزيز ورجاله الصفحة الأولى في سفر تاريخنا الخالد التليد، إذ تغيرت خارطة شبه الجزيرة العربية السياسية والاقتصادية والاجتماعية كلها، بعد أن اتحد الجميع على قلب رجل واحد، ونبذوا القبلية والعنصرية والجهوية والحسد والأحقاد عن طيب خاطر، وهجروا البدع والخرافات والجهل والفقر والمرض بالتفقه في الدين  وبالعلم المستنير، فخرجوا من ظلمات الجهل، إلى نور العلم والإيمان؛ وبدأت قافلة خيرنا القاصدة تشق طريقها نحو الضوء والنور والخير، بعد أن أسس عبد العزيز وطناً شامخاً راسخاً، دستوره كتاب الله العزيز الحميد، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، ثم سُنة النبي المصطفى صلوات الله وسلامه عليه، الذي لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحي يوحى. 

أجل.. كان عبد العزيز صادقاً، أراد استعادة ملك آبائه وأجداده خدمةً لرسالة بلاده السامية العظيمة في رعاية الحرمين الشريفين والمشاعر المقدسة، ورعاية ضيوف الرحمن وشؤون المسلمين حيثما كانوا في مشارق الأرض ومغاربها، ولم يكن يؤسس دولةً للحكم والتسلط والاستبداد بالسلطة والثروة وقهر الشعوب. فلا غرو أن تكون كل تركته يوم رحيله عن دنيانا الفانية ثلاثمائة جنيه ذهبي، وُزِّعت صدقةً على الفقراء والمساكين. بل أكثر من هذا وأعجب أيضاً : حتى ثيابه بيعت وأُ ودع ثمنها في خزينة الدولة. لم يكن يهمه شيء في الدنيا غير استقلال بلاده وراحة شعبه وعزتهم وكرامتهم وتحقيق أمنهم واستقرارهم ورخائهم. كان يرى نفسه والداً لأسرة كبيرة هي كل شعبه ،صغيرهم قبل كبيرهم، وفقيرهم قبل غنيهم، ومريضهم قبل صحيحهم. ولهذا ليس غريباً أن تتحول هذه الدولة القارة كلها، بمختلف قبائلها وسحناتها، إلى أسرة واحدة متحدة ملتفة حول قائدها، إذا اشتكى منها عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى. 

 

أ. د .عبد الله بن حمد العباد 

رئيس قسم السياسات التربوية 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA