هل غلاف الرواية يؤطر طريقة المتلقي في قراءة النص؟ وهل الكاتب هو من يختار الغلاف أم دار النشر ؟

ـ د. حصة المفرح أستاذ الأدب والنقد الحديث المشارك تجيب :

 

 

ـ جمهور الناشر يختلف عن جمهور الكاتب وقد يغدو الغلاف من الوسائل التجارية التي يعتمدها الناشر للتسويق للرواية

 

 ـ درجة شهرة المؤلف تلعب دورًا مهمًا في توجه قراء كثر

 

ـ الغلاف يصبح أكثر تعقيدًا في حال ترجمة الرواية، فقد تستلزم الترجمة تغييرًا في الغلاف، يتضمن عادة مؤشرات ثقافية مهمة يمكن قراءتها من منظورات مختلفة

 

يعد الغلاف من العتبات المحيطة بالنص ضمن الكتاب نفسه، وتصنف هذه العتبات حسب المسؤولية عنها إلى عتبات النشر التي تعود مسؤوليتها إلى الناشر وتشمل: الغلاف، الجلادة وهي ما يوضع على الغلاف الخارجي ليحيط به ويحميه ويكون عادة من ورق سميك، كلمة الناشر، الحجم، ذكر بعض مؤلفات الكاتب الأخرى، وذكر المؤلفات المنشورة في دار النشر نفسها. ويدخل ضمن هذه العتبات ما يعرف بالعتبات البصرية التي تشمل ما يحتويه الغلاف من رسوم وصور وتصاميم وألوان وخطوط، فالناشر بحكم توليه مهمة الطباعة والنشر يتولى هذه المهام إلا أن ذلك لا يمنع تدخل الكاتب في اختيارات الناشر وتصميمه، كما أن دور الكاتب يبدو واضحًا في تشكيل العتبات من جوانب أخرى تتعلق بأحجام الخطوط، واستخدام أشكال هندسية بعينها، وعلامات الترقيم، والتشكيل بالأرقام، مما يقع ضمن المسودة الأصلية للكاتب. وهناك عتبات التأليف التي تعود مسؤوليتها إلى المؤلف كما في: اسم المؤلف، عنوان الكتاب، العناوين الفرعية والداخلية، المؤشر الأجناسي، الإهداء، الاستهلال، الخاتمة.

وتأتي أهمية الغلاف انطلاقًا من أهمية العناصر التي يحتويها، كما تأتي أهمية قراءته قبل النص انطلاقًا من تصور يرى أنه لم يعد الكتاب المنشور المعد للقراءة يتمثل في النص الموجود بين دفتي كتاب والمعروض بصريًا للقراءة، بل تعدى ذلك إلى مجموع مظاهره اللغوية والبصرية بوصفه نتاجًا متكاملًا. ولعل أكثر ما يلفت الانتباه في غلاف الرواية استناده على الثقافة البصرية التي لا تعنى بالمكتوب فقط بل بالمصور والمرسوم أيضًا، كما أن جمهور الناشر يختلف عن جمهور الكاتب؛ إذ يتولاه الناشر بالدعاية والإشهار ويكيف استقباله للنص من خلال علامات دالة على النص أو مؤثرة في قراءته، وقد يغدو الغلاف من الوسائل التجارية التي يعتمدها الناشر للتسويق للرواية، ولا سيما أن دور النشر بدأت تتنافس في استغلال تقنيات الطباعة والتصميم الجديدة. وربما لا تكون مسؤولية الغلاف على عاتق الناشر فحسب؛ إذ يعنى الكاتب بها أيضًا بوصفها وسيلة جذب وإشهار لاقتناء الرواية.

ويتضمن الغلاف الخارجي للكتب بما في ذلك الروايات واجهتين: أمامية وخلفية. يستحضر في الغلاف الأمامي عتبات مهمة: اسم المؤلف، العنوان الرئيس، العنوان الفرعي إن وجد، المؤشر الأجناسي، الرسوم التشكيلية والصور الفوتوغرافية، والتصاميم الحاسوبية. ويبدو هذا الغلاف بوصفه بوابة دخول إلى المتن/ النص لكن ليست البوابات على درجة واحدة من الفاعلية بحيث يمكن من خلالها قراءة المتن أو على الأقل استشراف أحداثه وثيمته المركزية، وهناك بوابات جاذبة تشرع نفسها أمام القارئ وبعضها يصرفه.

 والعنوان الذي يبدو متسيدًا على صفحة غلاف الرواية الأمامي هو تسمية للنص وتعريف به واختزال لمقاصده وكشف لمكنوناته، وقد يغدو علامة سيميائية تمارس التوضيح والتفسير للمتن، كما تمارس أحيانًا التضليل؛ حين نلحظ تباينًا واضحًا بين العنوان والنص/ المتن. ولعل هذه الأهمية للعنوان سواء كان دالًا أو مضللًا تقترن بمرحلة لاحقة من نشر الكتاب عندما يكون أحد أهم منطلقات قراءة الرواية، مع الإقرار بأن العنوان لا يتوجه إلى القارئ الفعلي، أو القارئ الناقد فحسب وإنما إلى الجمهور الذي يشمل كل من يتعامل معه من ناشر أو صاحب مكتبة أو بائع أو قارئ للغلاف فحسب دون المتن.

ويشكل اسم المؤلف علامة فارقة به ينتسب الكتاب إلى صاحبه ويحقق ملكيته الأدبية والفكرية له، ويصنف في ثلاثة أشكال مختلفة: الاسم الحقيقي وهو الشكل الأكثر انتشارًا، الاسم المستعار لدواعٍ مختلفة، الاسم المجهول الذي قد يغدو تنكرًا للنص لأسباب مختلفة. ودرجة شهرة المؤلف واشتغالاته البارزة في الحقل الثقافي أو الأكاديمي كلها عوامل تلعب دورًا مهمًا في توجه قراء كثر، ولا يمكن تفادي هذه العوامل في أية قراءة بحجة اكتفاء النص بذاته، وكونه ميدان القراءة الفعلي.

ويعكس المؤشر الأجناسي وتصنيف العمل الأدبي حقيقة وعي الكاتب بعمله الذي يصفه بـ(رواية) ويمكن مقارنته بأعمال أخرى من الجنس نفسه، كما أن هذه التسمية تعد هوية للنص، وهي ضمان لاكتسابه صفة الأدبية كي لا يتحول إلى وثيقة تاريخية أو اجتماعية أو غير ذلك. ومن جهة ثانية، فإن هذا التعيين هو اختيار مقصود من الكاتب يؤثر في استراتيجية الكتابة وعلاقتها فيما بعد بالقراءة، وهو بمثابة عقد قرائي بين الكاتب والمتلقي الذي يهتدي بهذا العقد.

وتخضع الصورة التي يتضمنها الغلاف أيًا كان نوعها( فوتوغرافية، تشكيلية، تصميم حاسوبي) للقراءة مع مراعاة عناصر مهمة يمكن أن تفسر مضمونها وعلاقتها بالمتن كما في: التأطير الذي يحدد موقع الأشياء والأشخاص في الصورة، الإطار أو الحدود المادية التي تضبط الصورة في فضاء الغلاف، المنظور المتعلق ببروز الأشكال وعمقها، الملمس الذي يمكن تمييزه من خلال حاسة اللمس، اللون الذي يرتبط بمنظومة من الخبرات الثقافية والتراثية والاجتماعية التي تختزنها ذاكرة المتلقي وتستدعيها عند التأويل، والإنارة أو الضوء التي تكشف ربما عن بعد زمني أو إحساس ما؛ حيث إن سطوع الضوء أو خفوته يؤثران بطبيعة الحال في المعتم والمضيء وتأويل دلالاتهما.

ويتضمن الغلاف الخلفي عادة ما يشير إلى النص كما في تقديم معلومات عن الرواية تتعلق بظروف كتابتها ونشرها بقلم الناشر ضمن ما يعرف بكلمة الناشر، أو اقتطاع نص مكثف من الرواية يهدف إلى تقديمها وتقريب عالمها إلى القارئ، وقد يبرز ما تقوله الرواية مجملة في حال أحسن الناشر أو الكاتب أو هما معًا اختياره، ويمكن تقديم ملخص للنص الروائي ليكون في متناول القارئ قبل أن يشرع في القراءة الفعلية له، وقد تكون دافعًا له نحو القراءة الفعلية له لاحقًا حين تحمل تشويقًا أو تطرح تساؤلات يحاول القارئ البحث عنها في النص، وقد يعتمد الغلاف الخلفي على نقل مقولات نقدية أو عبارات وردت في أبحاث أو حوارات أو شهادات تبرز أهمية الرواية وتغدو إعلانًا غير مباشر عنها. كما يمكن أن تعرض سيرة مختصرة عن الكاتب تتضمن الإشارة إلى أعماله أو جوائزه، وهي عتبة إشهارية مهمة تقودنا إلى النص الروائي الذي بين أيدينا وإلى البحث عن نصوص أخرى للكاتب نفسه.

وهكذا يخضع غلاف الرواية لعوامل كثيرة وتفسيرات متعددة تضعه بين الإبداع الروائي؛ حين يغدو دليلًا إلى قراءته، وبين الترويج والإشهار الذي يعتمد عناصر ربما لا تكون أدبية بحته؛ بهدف جذب القارئ إلى عوالم الرواية، ودفعه إلى اقتنائها، كما أن الموضوع يصبح أكثر تعقيدًا في حال الترجمة ونقل رواية ما من لغة إلى لغة أخرى مع ما يستلزمه هذا النقل من تغيير في الغلاف، يتضمن عادة مؤشرات ثقافية مهمة يمكن قراءتها من منظورات مختلفة لا من منظور أدبي فحسب.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA