حياتنا بدون كيمياء

 

لو تمعّنّا في النجوم، هل المسافة بيننا وبينها مجرد فراغ أم هناك ما يشغل تلك المسافة؟ لو نظرنا إلى الزجاج أهو مادة أم هو لاشي؟ من هنا نجد أن حياتنا يملؤها الكثير من المواد المحسوسة وغير الحسية. ما أعنيه بذلك أنّنا لو وضعنا أيدينا على الطاولة فإننا نشعر بها؛ لكن هل باستطاعتنا أن نضع أيدينا على الهواء؟! فعلا الهواء غير ملموس، ولكنه يحتوي على مواد لها كتلة وتشغل الفراغ. لو أن الهواء لا شيء لاختنقنا؛ لأنه يحتوي على الأكسجين، وما الأكسجين إلا مادة كيميائية. لو تأملنا في الماء، من غيره تموت الكائنات الحية، وما هو إلا مركب كيميائي أيضا. الكثير من الناس ينظر إلى بعض المنتجات على أنها مواد كيميائية، ويرى أنّ منتجات أخرى ليست بكيميائية، ولكن في الواقع كل شي نتعامل معه في حياتنا اليومية مكون من المواد الكيميائية سواءً أكانت طبيعيةً أم صناعية. فالمركبات الكيميائية ما هي إلا تشارك عناصر مع بعضها البعض، وهي اللبنة الأساسية لكل ما يحيط بنا من مواد صناعية كالبلاستيكيات، والأوراق، والمساحيق، ومستحضرات التجميل، والعطور، والسبائك المعدنية، وكذلك المواد الطبيعية كالمركبات العضوية المكونة لأجسامنا، والمركبات غير العضوية كالجزء الأكبر من العظام، وأيضا الأطعمة، والأخشاب، والصخور المعدنية (ores)، والبترول الخام (crude oil). إذًا نجد أنه بتشارك العناصر تم تكوين الكثير من المركبات التي تظهر نتائج بخصائص تعكس مدى أهميتها في استخداماتها.   

من الجدير بالذكر تصور ما سيحدث لو لم يتم اكتشاف المركبات الكيميائية والسبائك المعدنية التي لها دور كبير في صناعات كثيرة كصناعة الأنسجة، والزيوت والشحوم، والأجهزة الالكترونية، والسيارات، والطائرات التي وفرت لنا وسائل الراحة في عالم مليء بالتحديات. على سبيل المثال لو رجع بنا الزمن إلى الوراء، هل كنا نتخيل أننا في يوم من الأيام سنستخدم أجهزة الجوال؟! نحن في وقتنا الحاضر نعتمد بشكل كبير على الهواتف الذكية. فالبعض منا يستغرق ساعات طويلة ينظر إلى شاشة الجوال. ولكن الكثير لا يعلم ماهي المواد الداخلة في تركيب تلك الشاشة؟ وكيف يتم تحويل المعلومات من داخل الجهاز إليها؟. لو تمعّنّا في الجزء الخارجي لوجدناه مصنوعًا إما من سبائك أو بلاستيكيات (بوليمرات)؛ لما تمتاز به من صلابة ومقاومة للصدمات. كذلك شاشة اللمس لابد من أن تمتاز بمجموعة من الصفات كالعمل في درجات حرارة مختلفة، والنفاذية الضوئية، والتوصيلية الكهربائية؛ لذلك ليس من السهل توفر جميع هذه الخصائص كلها في مادة واحدة؛ لكن في الواقع ذلك ممكن. أكسيد قصدير الإنديوم (ITO) مادة كيميائية لها نفاذية ضوئية كالزجاج وتعتبر موصلةً للكهرباء، عند وضع الإصبع على الشاشة ترسل المنطقة التي تم الضغط عليها إشارات كهربائية وبذلك يتم التصفح على شاشة الجوال. يتبقى لدينا أهم جزئية من دونها لا يمكن التنقل بالجهاز الى أي مكان، ألا وهي البطارية. البطارية هي خلية كهروكيميائية، وما يحدث بها ما هو إلا تفاعل كيميائي يتم فيه أكسدة الليثيوم إلى أيون الليثيوم عند استخدام الجهاز والتفاعل العكسي عند شحن الجهاز. وأخيراً ذاكرة الجوال التي تحتوي على مواد منها: أشباه الموصلات (semiconductors) لما تحتويه من صفات لها القدرة على تخزين المعلومات. إذًا المواد الداخلة في تركيب الجوال بخصائصها المختلفة أظهرت لنا هذا الجهاز العظيم الذي لا يستطيع أحد منا الاستغناء عنه في وقتنا الحاضر. 

لذا تلعب الكيمياء الدور الأكبر في خلق الكثير من المواد التي لها تطبيقات توفّر للإنسان ما يغطي احتياجاته، وتوفر له كذلك سبل الراحة لحياة أفضل. لكن هناك الكثير من المواد التي لم تُكتشف بعد، ولم يُعرف في أي مجال ستستخدم. ما كان للإنسان أن يتصور قبل مائة سنة ما سنعيشه اليوم، ونحن أيضا لا نتصور ما ستعيشه الأجيال القادمة. من أجل ذلك تحظى بعض المواضيع باهتمام الباحثين في وقتنا الحالي والأمثلة على ذلك كثيرة ومنها: امتصاص بخار الماء من الهواء، ومحاربة الخلايا السرطانية، والطاقة البديلة، وامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء واختزاله لمركبات أخرى، والبطاريات، والكيمياء الخضراء، وإنتاج الهيدروجين من الماء، وغيرها الكثير من الأبحاث. لذا بالأفكار النيرة والإبداع باستطاعتنا التقدم والرقي.  

 

د. عبدالمجيد بن عبدالله العياف

قسم الكيمياء

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA