الترجمة وجدلية الأنا والآخر

 

 

يقول «سارتر»: «إنّ الغيرية تعني الآخر، أي الأنا الذي ليس أنا»، فإذا كان الإنسان يدرك أن الآخر مختلف عنه فعليه أن يدرك أنه يظل شبيهه، يكاد يكون ظله الذي يختلف عنه في بعض تفاصيله لكنه لا يزال انعكاسًا لوجوده.

 وتُعد علاقة الأنا بالآخر علاقةً جدلية، ليس فقط على المستوى الفلسفي، ولكن على الصعيد الترجمي أيضًا، فما الترجمة إلا التعبير عن لغة وثقافة الآخر باستخدام لغة وثقافة الأنا. وعلاقة الترجمة بالفلسفة ليست بالعلاقة المستحدثة، ولكن تمتد جذورها إلى كتابات أرسطو. وهي حاضرة في كتابات العديد من الفلاسفة في العصر الحديث، وعلى رأسهم الفيلسوف الفرنسي «بول ركور» الذي خصص بعضًا من كتاباته للترجمة.

 ويرى «ريكور» أن الترجمة تحمل سمات الضيافة والكرم، حيث يستضيف المترجم ثقافة الآخر في لغته، بحيث تصبح هذه اللغة الأجنبية فرصةً للتعمق حول الأنا ولغة الأنا وثقافة الأنا. فالنشاط الترجمي يتطلب قدرًا كبيرًا من قبول الآخر، ولكن يحتاج أيضًا قدرًا أكبر من التصالح مع الذات. فالمترجم قبل أن يتسع أفقه وتتفتح سريرته لاستقبال الآخر بلغته وثقافته عليه أن يكون متصالحًا مع لغته وملمًا بثقافته دون أن يعتريه أي شعور  بالدونية أو الفوقية.

إن الالتحام مع الآخر يتطلب جذورًا راسخة وأقدامًا ثابتة لا تعرف التطبيع. فالحدود شفافة بين التسامح وقبول الآخر والذوبان فيه وفقدان الأصول والهوية؛ لذلك تُعد الترجمة اختبارًا حقيقيًا لتمسكنا بهويتنا وبمساحة التسامح التي تملأ عوالمنا الباطنة، فالفعل الترجمي هو فعل إرادي وواعٍ يفسح المجال للآخر للتعبير عن نفسه من خلال لغتي. من هذا المنظور تصبح الترجمة وكأنها لقاء بين الأنا والآخر، بين شريكين، أحدهما يكتب بيد الآخر في منظومة ثنائية يسودها الاحترام والتسامح.

 

أ.د. جيهان عيسوي

قسم اللغة الفرنسية والترجمة

كلية اللغات والترجمة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA