عالم الاختراع والابتكار والإبداع

حبا الله سبحانه وتعالى العقل الإنساني ملكاتٍ ذهنية سامية، وخصه بمقدّرات إبداعية عالية ميزت بينه وبين الكائنات الأخرى في هذا الكون، وجعلت منه مخلوقا فريدًا كرَّمه ربُّـه جلت قدرته، إذ يقول -سبحانه- في كتابه الكريم: «وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ» ‎﴿الإسراء: ٧٠﴾‏. ويقول -تبارك وتعالى- أيضا: « لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ» ‎﴿التين: ٤﴾‏. وإنّ هذا العقل الذي أنعم الله به على هذا الإنسان الذي كرمه وجعله خليفته في الأرض لهو طاقة هائلة من الفكر والإلهام والإبداع، يستطيع أن يسخرها في تطويع كل النواميس والظواهر التي تتراءى حوله، وأن يخضعها للكيفية التي تلبي حاجاته ورغباته، وتوائم أسلوب حياته ومعاشه.

وفي هذا العصر الذي نعيشه أضحت الاختراعات والابتكارات تحلق فوق رؤوسنا، وتمشي خلفنا، وتمر عن يميننا وشمالنا. لقد أصبحنا نعيش في عالم عجيب مشحون بأعاجيب الفكر الإنساني وإبداعاته الخلاقة ونتاجاته الباهرة، وأصبحنا نصحو كل يوم لنشاهد تقنيات مستجدة ومخترعات حديثة ومبتكرات جديدة في شتى المجالات والحقول والفنون، منها ما هو بالطبع في صالح الإنسان ورفاهيته ورقيه وأمنه، ومنها - للأسف - ما قد يكون مدمرًا لمقدراته وقاضيًا على مكاسبه ومنهيًا لحضارته ووجوده.

والاختراع - كأي إنجاز إنساني مبدع - يفخر به صاحبه، ويعمل جاهدًا على حمايته والمحافظة عليه من خلال ما يعرف بـ «براءة الاختراع»، وهي الوسيلة التي تتيح للمبتكرين والمخترعين حماية مكاسبهم الذاتية وحقوقهم الفكرية فيما يتوصلون إليه من مخترعات ومبتكرات وإبداعات.  

وفي عصرنا الحاضر هناك الكثير من التحديات والقضايا التي تحفزنا على إعمال فكرنا واستغلال ملكاتنا وقدراتنا؛ لجعل حياتنا سهلة طيّعة مريحة، والتوصل إلى مبتكرات جديدة تقضي على مظاهر الإسراف في استغلال الطاقة، وتحسين وسائط النقل والمواصلات، وكذلك في تطوير قنوات الاتصالات ووسائل التعليم، وتحديث وسائل الطب وطرق العلاج، واستنباط تقنيات جديدة في الصناعة والزراعة ومناحي الحياة الأخرى. 

وإذا قُدر لأحد منا الاطلاع على نشرات براءات الاختراع - ومنها مثلا ما يحدث ونقرأ ونسمع عنه في جامعتنا من اختراعات وابتكارات، مما يجعلها دائمًا في طليعة ومقدمة الجامعات العالمية تنافسًا وتصدرًا، وأيضًا النظر لنشرة براءات الاختراع التي تصدرها مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية- ليؤخذ بذلك الكم الهائل من الاختراعات التي يتفتق عنها عقل الإنسان يومًا بعد يوم، مما يدل على أن عجلة الحياة تدور بشكل حثيث لا يعرف التردد أو الهون، وأن العقل الإنساني يتحتم عليه أن يتحرك معها؛ بل يسابقها في دورانها.

وبالطبع فإن براءة الاختراع ليست مجرد وسام يعلقه المخترع على صدره ليتغنى ويفاخر ويزهو به؛ لكنها بمثابة البوابة الذهبية التي سيلج من خلالها نحو التقدم العلمي والتقني؛ بل كذلك نحو الثراء المادي والمعنوي، الذي لا شك أن المخترع يحسب لهما أيضًا أيما حساب. 

وأخيرًا، لا شك أن ثمة اختراعات لا يمكن للمخترع وحده أن يتصدى لمتطلباتها ويجابه تبعاتها؛ إذ تحتاج ليس إلى  الكثير من الجهد والإرهاق والإمكانات والوسائل فحسب؛ بل إلى الدعم المادي والتشجيع المعنوي أيضًا؛ لتنفيذها وتطبيقها وجعلها حقيقة ماثلة للعيان، وإذا انعدمت هذه الإمكانات والوسائل فلربما يكون ذلك مدعاة لسريان التخاذل والإحباط في نفسية المخترع، الأمر الذي قد يطفئ لديه جذوة الحماس، ويخمد شغف الابداع؛ ولهذا فلا مندوحة عن تدخل المؤسسات العلمية والجهات الحكومية والقطاعات الخاصة بما يملكونه لديهم من قدرات مادية وإمكانات معنوية ليمدوا للمخترع يد العون والتشجيع، وليسعوا جادين مخلصين إلى تبني تلك الاختراعات ورعايتها والعناية بها، إذ ستكون بلا ريب ذات نفع يفيد منه المواطن، وفخر يزهو به الوطن.

 

 

أ.د. عبد الله محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA