عبقرية الفن الإسلامي

 

 

  الحضارة الإسلامية هي حضارة المجتمع المسلم، حيث قدمها الإسلام للمجتمع البشري بما يحمله من قيم ومبادئ وقواعد ترفع من شأن المجتمع، وتمكنه من التقدم في الجانبين المادي والمعنوي، وتيسِّر الحياة للإنسان. فهي تعد من الحضارات المهمة في تاريخ الإنسانية؛ لما لها من إنجازات متعددة، ساهمت في رقي المجتمعات وسموها بكافة مجالاتها، حيث ظهرت إبداعاتها على علومها المختلفة، ومنها العلوم الفلسفية، والجمالية، والأدبية. كما تفردت عن غيرها من الحضارات بأساليبها الفنية المبتكرة، المعتمدة على فلسفة الفكر الإسلامي. ومن هنا نتساءل ماهي فلسفة الفكر الإسلامي؟.              

للفنون الإسلامية فلسفة تعبيرية متميزة. حيث يعد الفن عند المسلمين من أهم مجالات التعبير الفكري والجمالي الذي شُكل بتصاميم فريدة ومتنوعة.  ممثِلةً علاقة المسلم بخالقه، من خلال تصويره للجسم والروح والعقل كلٌّ في مساره الذي خُلق له مكوناً التناسق والتوازن والنظام، ومصوراً علاقة المسلم بغيره؛ حيث أكدت هذه الحضارة على أن الفرد هو اللبنة الأولى في بناء المجتمع، وبصلاحه يصلح المجتمع كله، ومن أجل ذلك جاء الإسلام بتعاليم ومبادئ تُصْلِح هذا الفرد، وتجعل حياته هادئة مستقرة، وأعطاه من المبادئ ما يصلح كيانه وروحه وعقله وجسده. ومع إصلاح الفرد يتوجه الإسلام بالخطاب إلى المجتمع الذي يتكون من مجموعة أفراد، ويحثهم على الترابط والتعاون والبر والتقوى. ومن خلال هذه المبادئ التربوية والاجتماعية  تكونت شخصية الفنان المسلم الذي أبدع في  تمثيلها فنياً، وفي تحقيق مبدأ التوازن بين الفرد والمجتمع بأسلوب عبقري، جامعاً بين وظيفة الفن وشروطه الجمالية، وبين الشكل والموضوع، وبين الروح والجسد، فهو توازن مستمد من روح فلسفة الدين الإسلامي وجوهره القائم على الجمع بين ثنائية الوجود المخلوق، الذي يتكامل فيه الظاهر مع الباطن، والعقل مع المادة، وتتصل الآخرة فيه  مع الدنيا، وبذلك كوّن الفنان المسلم فلسفته الفنية على أسس عقائدية، اعتمد عليها في تعبيراته الفنية التي تفردت عن غيرها من الفنون عبر العصور، بأسلوب جمالي تعبيري متفرد.

للفن الاسلامي جمالية متفردة، فالجمال في الفن الإسلامي طاقة محركة للنفس الإنسانية؛ لتعبر عن محبة الخالق والإيمان بإعجازه، فهي موضوعية في الرؤية الإسلامية، واقعية في تعبيراتها الفكرية. وقد دعا القرآن الكريم للجمال في فلسفته التصويرية، جاعلًا منه أحد مقومات الشخصية المسلمة، من خلال التصوير البياني، والتركيب الفكري المتمركز في إحياء العقل من خلال التفكير الحر؛ لإكسابه ملكة التذوق والنقد الجمالي المعتمد على فلسفة الفن الإسلامي. فآيات القرآن الكريم تنطوي على العديد من اللمسات الجمالية التي تدعو الإنسان إلى استلهام الجمال الكوني، من خلال تبني فلسفة الحس الجمالي شكلا ومعنى. كما تميزت جماليات الفن الإسلامي بالوحدة المقصودة، مما منح تشكيلاتها الفنية روحا خاصة يستشعرها المتلقي لفنون هذه الحضارة، فالجمال في الفنون الإسلامية جمال للمضمون متحد مع جمال المظهر.

وهذا ما يمثل الفكر الجمالي في الحضارة الإسلامية، فالفكر الجمالي الكامن في فلسفة جمال الفنون الإسلامية، والنابع من أصول الدين هو ما جعل من فنون الحضارة الإسلامية عبقريةً تعبيريةً تبهر المتلقي، وتدعو إلى الانخراط في جمالياتها وما تحمله من مضامين وأسس تمثل عبقرية الحضارة الإسلامية.

 

د. شذا إبراهيم عبدالله الأصقه

قسم التربية الفنية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA