لماذا نحاول؟

 

في لحظة يأس من إنجاز أمر ما،  وضعت جُل جهدي به، وكثرت محاولاتي لإنهائه، حتى أني توقفت عن عدها، سألت نفسي بكل بساطة: «لماذا أنا مستمرة  في المحاولة؟» هُنا أظهرت نفسها أمامي كل الأجوبة التقليدية، المملة، المعتادة من قبل كافة الناس، أنحاول للحصول على مال أكثر؟ أنحاول للوصول إلى مناصب أكبر؟ أنحاول لكسب سمعة وصيت؟ أنحاول لنرضي معاييرنا التي تكاد تلمس عنق السماء؟

إن لم يكن ذلك كله مقنعًا، فلماذا إذن نحاول؟ ننام ليلًا راجين الله أن تحدث معجزة توقظنا على تحقيق أمنياتنا، وألا نكتفي بعيش أحلامنا  في اللاوعي، نستيقظ صباحًا نبحث بأعينٍ يداهمها الإحباط تارةً ويهجم عليها طموحٌ يُسهرها الليل تارةً أخرى.. ما الذي يجعل منا كلما وصلنا إلى قمة، لم نفرح بها، منشغلين بالقمم التي تعلوها؟! لم نذق يومًا طعم نجاحاتنا لأن الرحلة -بالنسبة إلى أشخاص مهووسين بالمحاولة مثلنا- لازالت في بدايتها..

نعود مجددًا للسؤال الأهم، لماذا نحاول؟

نتعثر بحجرٍ نكاد من فرط ألمه نفقد أفئدتنا، نمسك بموضع الألم بأمل تخديره، نحاول النهوض مجددًا، ولا نعلم يقينًا لماذا نحاول دون أن نترك الألم يأخذ نصيبه من الوقت، لكننا نحاول، بلا تفكير، بلا تمعُن في اللحظة الحالية، بقلوب منزوعة منها الرحمة تمامًا، نحاول! 

أنبحث عن نظرة رضا؟ أننتظر ممن يعلقون علينا آمالهم أن يفخروا، أن يتفاخروا، أن نسقط أرضًا في نهاية الحرب معلنين الفوز، رغم التعب؟ هل فرحة الآخرين بنا، هي ما يدفعنا للمحاولة؟ هل تحاول لأن تخييبك لظنون الآخرين سلاح فتّاك لن يكتفي بجرحك؛ بل بسلب روحك؟ هل دموع الفرح كانت دموع فرحٍ فعلًا؟ أم أنهُ الجسد يعبّر عمّا مرّ به من معاناة بسبب المحاولة؟

يذكرنا أحدهم بكلمةٍ طيبة، ننظر إليها نظرة باهتة، نهمس لأنفسنا: إن هذه الكلمة مجرد مجاملات اجتماعية، ولا نرى استحقاقنا لها، ونمضي بعد أن تلوثت أيدينا بقتل مصداقية الكلمة في مهدها، ونحاول أن نحصل عليها مجددًا باستحقاق، ولا نعلم إلى متى سنحاول؟

تأتينا الانتقادات كصاعقة لا مفر منها، نتلقاها خبرًا مفجعا، كفقدان عزيز، كمواجهة لحقيقة لطالما هربنا منها، وبعد ذلك نحاول أن نكون أفضل مما قيل،  ولا يوجد أي أساس للمحاولة؛ ولكننا نحاول!

لن يُجيبك أحد، فلا أحد يعلم لماذا تحاول، ولا أحد يعلم ما هي المعارك التي خضتها جبرًا أو بكامل رضاك واختيارك، لا أحد يعرف القصة كاملة بما يتخللها من فواصل شجاعة، ولحظات تخلٍّ، وأوقات تمسك بحبل النجاة، وأيام كثيرة من الشعور بعدم الجدوى. وربما حتى أنت تتجاهل جوانب القصص التي كنت فيها بطلًا مغوارًا، محدقًا بعينيك في اللحظات البسيطة التي بدر فيها منك خطأ إنساني طبيعي، هفوة، أو زلة جندي لم يتوانَ قط عن أن يقف بتمرّد أمام سلاح العدو، متحديًا إياه، حتى كاد الرصاص يذوب من فرط قوته؛ لكنه خاف! ولم يلحظ أحد رجفة أصابعه،  فعض أصابعه طويلًا عتابًا على إظهارها خوفه وشعوره الطبيعي!

وأنت في طريقك للمحاولات، حاول أن تحاول ألا تحاول.. 

 

الهنوف خالد الجمعان

خريجة كلية الحقوق والعلوم السياسية 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA