فضيلة الصمت..

 

 

لعل من الحكمة أن نوضح أن الصمت يختلف عن السكوت من جانبين هما: أنّ الصمت يُعد قرارًا إرادياً يتخذه الفرد إزاء ما يراه، بينما السكوت غير إرادي؛ حيث يُفرض عليه من طرف آخر، أما الجانب الثاني للصمت فيتمثل في أنه يُعد تعبيراً نفسياً كاللغة في التعبير عن القبول أو الرفض أو الاستماع للطرف الاخر، في حين أنّ السكوت من السكون في المادة لعدم حركتها في فضائها الخارجي. 

ويمكننا النظر إلى الصمت بوصفه إيثارًا وباعتباره وسيلة للعطاء، وذلك بتقديم الصمت من خلال الاستماع لفرد ما  يعاني من مشكلات مختلفة، وهو في أشد الحاجة إلى من يقدم له مساحة من الصمت للاستماع؛ لذا يُعد الصمت من أهم المهارات الشخصية للوصول إلى قلوب الآخرين والتفاهم المثمر معهم.

     كما أن الصمت مهارة تسمح لنا بفهم أبعاد الموقف من حولنا، فكما ذكر « برنارد شو «  في مقولته الشهيرة «إن الصمت يمنحك متعة التنزه في عقول الآخرين «،  فالصمت  وسيلة لفهم أفكار الآخرين.  كما يساعد الصمت في السيطرة على الانفعال بدلاً من التسرع في  ردود الأفعال الكلامية، مما قد يعود بنتائج عصيبة على الفرد. ويتجلى ذلك في بيت شعر للنابغة الشيباني عن المحافظة على علاقات صحية مع الآخرين: 

فذو الصمت لا يجني عليه لسانُه .....وذو الحلم مهدي، وذو الجهل أخرق         

وفي فضائل الصمت قال الإمام علي بن أبي طالب رضي الله عنه: «أفضل العبادة الصمت، وانتظار الفرج»، ويمكننا النظر إلى عبادة الصمت ومقاصدها من جانبين هما: أنه باب من أبواب ذكر الله أوأنه يذكر بالله، والجانب الآخر هو أنه باب للتفكر والتأمل؛ مما يجعل الشخص الصامت شخصًا ذا حكمة؛ لقدرته على التحكم في شهوة الكلام، وقد ورد عن عقبة بن عامر - رضي الله عنه - أنه قال: قلت: يا رسول الله، ما النجاة؟ قال -صلى الله عليه وسلم-: (أمسـك عليكَ لسانكَ وليَســعْـكَ بَـيـتـُـك وابـكِ على خطــيـئـتـكَ).  

وقد حثنا ديننا على تعلم الصمت، فقد ورد عن أبي الدرداء -رضي الله عنه- قوله: (تعلموا الصمت كما تعلمون الكلام، فإنَّ الصمت حلم عظيم، وكن إلى أن تسمع أحرص منك إلى أن تتكلم، ولا تتكلم في شيء لا يعنيك، ولا تكن مضحاكًا من غير عجب، ولا مشَّاءً إلى غير أرب). 

ويمكننا تحويل تلك النصيحة إلى إجراءات لتعلم الصمت من خلال عدة مبادئ، المبدأ الأول : النظر إلى أن جرعة من الصمت تقابل الملح في الطعام، فقدر يسير منها يكفي ليعبر الآخرون عن أفكارهم وليُستفاد من تلك الأفكار؛ لذا يُقال دائما:  دع الآخر يعبر عن أفكاره بمنحه الصمت؛ ليشعر بأنه مهم أمامك. المبدأ الثاني : تذكر أنك تستخدم الصمت من خلال مبدأ « لا تتحدث إلا إذا كان لديك ما تضيفه لا ما تقوله، « فليسَ البيان كثرة الكلام ولكنّ البيان إصابة الحق، «فإذا أعجبك الكلام فاصمت ، وإذا أعجبك الصمت فتكلم». المبدأ الثالث : تعلم الصمت بالنفور، فكما يقول جبران خليل جبران:» تعلمت الصمت من الثرثار»، فالصامتون يعملون بفعالية أكثر، وبالتالي نحن نرغب في أن  نكون فعالين أكثر من غيرنا؛ لكي نسعد أكثر.

 

د. خالد بن ناهس الرقاص

قسم علم النفس

كلية التربية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA