سمعت ذات مرة في شرح لكتاب «حلية طالب العلم» للشيخ أبو بكر زيد رحمه الله أن العلم ثلاثة أشبار: من دخل الشبر الأول تكبر، ومن دخل الشبر الثاني تواضع، ومن دخل الشبر الثالث علم أنه لا يعلم. فجعلت أقارن وأتأمل في كيفية ارتباط تقدم العمر الزمني في ذهن الإنسان بمزيد من الخبرات، وضغوطات الحياة التي تصقل المرء ليواجه الحياة من جديد ، بل ويدلي بالحكمة والعلم التي بانت بين خصال شعره التي لونتها شمس التجارب، وحرارة الألم التي بانت في محياه. فما يكاد أحدنا أن يرى من تقدم به العمر إلا ويقف قلبه هيبة لاستماع الموعظة والنصيحة التي يقّوم بها حياته القادمة.
ولكن التساؤل الأهم هو: هل كل متقدم بالعمر الزمني متقدم بعمره العقلي كذلك؟ هذا هو السؤال الذي ينبغي أن نسبر أغواره ونفهم عمق معناه؛ لأن عقولنا بطريقة أو بأخرى تضع تصورات معينة بأن الأشخاص الأكثر تعلمًا وتعليمًا أكثر فهمًا للواقع ، وأكثر تعقلًا للأمور أيضا، بل قد يلجأ كثير من الناس إليهم طلبًا للاسترشاد والاستشارة في دقائق الأمور بحكم الأسبقية في العلم والمعرفة، وتكون الصدمة بعدها أشد وقعًا من السيف الصارم، حينما يكون ذلك المتقدم في المعرفة متأخرًا في التعقل و إدراك غايات الحياة الكبرى ، فما إن يتعلم ذلك المتقدم حرفين إلا ويجد في نفسه انتفاشًا أقرب إلى انتفاش العجين، وما إن تتحدث إليه إلا وتسبقك نظرة الاستعلاء الفارغ، فحينها تتمنى أن يعود بك الزمان لتتعلم من بيت جدك الذي كان فيه الفعل وصوت العمل كثيرًا بل كثيرًا جدًا، وضحكات الإنجاز المتواضعة تنطلق من كبار العقول والأعمار قبل صغارها.
لذا لنحذر من أن نكون ( كأبي شبر ) ولندرك أن للعلم وتعليمه غايات وقيمًا أسمى ، ولعل أعظمها تطمين قلوب الناس ، و إخبارهم أن بينهم وبين أهدافهم مسافة اسمها الزمن ، ووقودها الجهد ، ولنكبر عامًا وتكبر عقولنا ألف عام وعام.
د. قمره السبيعي
قسم التربية الخاصة
تخصص تعليم موهوبين
إضافة تعليق جديد