لماذا ندرس التاريخ؟

ثقافية رسالة الجامعة تسأل :

 

 

تجيب الأستاذة نوال بنت إبراهيم القحطاني الباحثة في التاريخ الحديث : 

 

يتردد هذا السؤال كثيراً على المؤرخين والمؤرخات، فالبعض يريد معرفة أهمية التاريخ ولماذا يُدّرس؟! والبعض يرى عدم أهمية هذا التخصص في سوق العمل، والبعض يرى أنه تخصص لا هدف له ولا جدوى لدراسته، بل يطالب بإغلاق هذا التخصص في الجامعات! كما حصل للأسف في بعض الجامعات السعودية. ولا شك أن هذه نظرة قاصرة تكشف عن عدم معرفة أهمية دراسة التاريخ، ولو لم يكن من فائدة من دراسة التاريخ إلا الإفادة من عبر الماضي لكفى.

 اقرأ التاريخَ إذ فيه العِبَر.... ضلَّ قومٌ ليس يَدْرُون الخَبَر

     أما لماذا درستُ التاريخ؟

 فالسبب يعود بالدرجة الأولى لحبي للتاريخ وشغفي به منذ الصغر، وكان اختياري لهذا التخصص صادماً نوعاً ما للمقربين مني، ويتكرر السؤال القديم الجديد لماذا تدرسين التاريخ؟ فهو تخصص ليس له مستقبل ولا اهتمام في سوق العمل... الخ. فأجبتهم في حينها هل تعلمون أن تخصص التاريخ في المجتمعات الغريبة المتقدمة لا يلتحق به إلا صفوة الطلاب في المجتمع؟وزاد تقديري واحترامي لهذا التخصص بعد ما أبحرت في خفاياه وتعمقت في عوالمه وفنونه.

  للإمام السخاوي )ت 902هـ / 1497م( كتاب جميل حول هذا المعنى وحول من ينتقصون هذا العلم واختار له عنواناً لافتًا فسماه» الإعلان بالتوبيخ لمن ذم التاريخ للسخاوي»، وهو كتاب ماتع جميل أنصح الجميع بقراءته، والاستفادة منه.

     إن التاريخ هو أبو العلوم؛ ففي كل تخصص من التخصصات الجامعية ينبغي لنا الرجوع إلى تاريخ هذا التخصص، والأحداث التاريخية على مستوى البشرية تتطلب منا تفسيرًا وتحليلًا تاريخيًّا، لماذا حدثت؟ و كيف حدثت؟ وهل سبق حدوثها؟ هنا يأتي دور المؤرخ ليجلي الأحداث ويضعها في موازينها التاريخية متجرداً من كل عواطفه، واضعاً الحقيقة نصب عينيه، لذلك ندرس التاريخ.

     حينما يكتب باحث عن تاريخ حادثة معينة سيحصل على مصادر ومراجع كثيرة مرتبطة بموضوع الحادثة المعّنية، وسيتوجب عليه أن يقرِّر كيف سيفسر هذه المصادر والمراجع ويؤلف بينها سوياً. وفي البداية سيجد المصادر والمراجع مربكة إلى حد ما، وقد يصل الأمر إلى حد التعارض أيضًا، لذلك يكون العمل بكتابة التاريخ شبيهًا بعمل المحقق، لأنه يثير من الأسئلة أكثر مما يجيب. ويتخذ المؤرخون قراراتٍ منظمة ونتائج معقولة بعد التحقق من الحقائق، متبعين نظاماً محدداً لاستنتاج النتائج النهائية المنطقية لمحاولة فهم حوادث التاريخ، واستشراف المستقبل ولا يكون ذلك إلا للمؤرخ فقط.

     قال شيشرون في القرن الأول ق.م : « أول قوانين المؤرخ أنه أبداً لا يتفوه بغير الحقيقة والثاني هو ألا يكتم شيئاً حقيقياً أبداً»، وبقت هذه القوانين ثابتة حتى الآن على الرغم من تغير بعض وجهات النظر في كتابة التاريخ. فكل ما سبق لعله أجاب على سؤال لماذا ندرس التاريخ؟!

     ختاماً كلنا نعلم بأن على رأس من يدعم التاريخ والمؤرخين في مملكتنا الحبيبة هو والدنا ومليكنا المؤرخ الأول مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود - حفظه الله ورعاه ، وسأستشهد ببعض الأمثلة كدليل على اهتمامه حفظه الله بهذا العلم، تأسيسه - حفظه الله -  لكرسي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود لدراسات تاريخ الجزيرة العربية وحضاراتها، وهذا إن دل على شيء دل على اهتمامه الواضح بعلم التاريخ، ودعمه للدراسات التاريخية، وتأتي هذه المبادرة الكريمة استمراراً لجهوده في خدمة التاريخ الوطني السعودي بشكل خاص، والتاريخ الإسلامي والعالمي بشكل عام. كما عرف عنه – حفظه الله ورعاه- حبه للتاريخ والمؤرخين وتشجيعهم، واهتمامه بهذا العلم قراءةً ونقداً ومتابعةً وروايةً وتصنيفاً ودعماً. ومن الأدلة أيضًا رئاسته لمجلس إدارة دارة الملك عبد العزيز، ورئاسته الفخرية للجمعية التاريخية السعودية. ورعايته الكريمة لعدد من الندوات واللقاءات العلمية عن تاريخ المملكة العربية السعودية وتاريخ الجزيرة العربية. 

     ولا شك أن جائزة خادم الحرمين الشريفين لدراسات تاريخ الجزيرة العربية شاهد على مدى اهتمام الملك سلمان بن عبد العزيز التاريخي، وحق لنا معشر المؤرخين معه أن نصفه بــــ «مؤرخ الملوك وملك المؤرخين»، فهل سنسأل مرة أخرى لماذا ندرس التاريخ؟

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA