قصة جائزة نوبل للفيزياء لهذا العام

 

أتابع كل عام أخبار جائزة نوبل، خصوصا في الفيزياء والكيمياء، للبقاء على اطلاع على أخبار العلم والعلماء وتحديث معارفي بمواضيع الجائزة. بيد أن خبر جائزة نوبل للفيزياء لهذا العام فرحت به شخصيا، وذلك لكونها أتت في موضوع الكتاب الذي شاركت في تأليفه مع ثلة من أساتذة الجامعات حول العالم في  موضوع الجائزة نفسه (التواصل الكوانتي). البعض من كبار خبراء فيزياء الكوانتم (الكم) عدّ هذا المجال في بداياته «مضيعة للوقت»، ولكن الكثير استمروا لعلمهم بتاريخ الثورات العلمية السابقة التي تبدأ بتعليقات ساخرة كهذه، والتي لا يلتفت إليها العلماء الذين يمضون قدما؛ بسبب الأساس الرياضي الذي تقوم عليه طموحاتهم، فالرياضيات دائما ما تفاجئ العلماء. من أشهر الأمثلة على ذلك، المعادلة التي توصل لها بول ديراك التي أوحت له بوجود إليكترون موجب، فما كان منه إلا أن آمن بالرياضيات غيبا فصدقتها التجربة شهادة. الكتاب المشار إليه أعلاه هو بعنوان «Structured Light for Optical Communication» أي «التواصل الضوئي بالضوء المتشكل» وقد كنت المؤلف الرئيس للجزء الأول من الكتاب بعنوان «Basics of Quantum Communication» أي «أساسيات التواصل الكوانتي»، وقد كتب بقيةَ الأجزاء أساتذة وباحثون من بقية دول العالم. صدر الكتاب في العام الماضي (2021م)، وجاء في قرابة ثلاثمئة صفحة، وقد حقق الهدف منه في جمع شتات هذا الموضوع في مكان واحد، وتلخيص جهود العلماء فيه، وقد مر الكتاب بتدقيق ومراجعة نظراء دقيقة، فضلا عن محرري دار النشر «إلسيفير».

ماهو التواصل الكوانتي المشفر؟

إن التشفير الكوانتي هو أعظم أنواع التشفير على الإطلاق، إذ بموجبه تُشفّر المعلومة لا على شكل نبضات ترانزيستور تمثل على شكل صفر وواحد 01، بل في خاصية من خواص الطبيعة. معنى ذلك أنه كما أننا لا نستطيع أن نجعل التفاحة تصعد للأعلى بدلا من تسقط للأسفل (بفعل الجاذبية)، فإننا كذلك لا نستطيع اختراق معلومة تم تشفيرها كوانتيا. وسأحاول شرح مفهوم هذا التشفير ببساطة قد تكون مخلة للمختص، ولكن أرجو أنها كافية لإيصال الفكرة لغير المختص، وليعذرني المختص. التشفير الكوانتي قائم على بعض خواص فيزياء الكوانتم، بحيث نستطيع أن نرسل معلومات مدمجة في هذا الضوء بخواص معينة (الخواص = المعلومات)، بحيث إنه عندما يتم اختراق الإشارة المرسلة في الألياف البصرية، فإن الضوء يفقد هذه الخواص ويتصرف كالضوء العادي الذي نعرفه. إن المعلومات التي وضعناها في الضوء على شكل تلك الخواص، يتم فقدها عندما تُفقد هذه الخواص نتيجة الاختراق، فالخواص الكوانتية تختفي إذا شاهدها المخترق: لا تظهر إلا إذا «أحسها» المستقبل المستأمَن من قِبَل المرسِل. هذا يجعل الاختراق مستحيلا ومضيعة للوقت، بحيث إنه مهما تم اختراق الرسالة المشفرة ضوئيا فإن الضوء الذي سيحصل عليه المخترق الشرير هو ضوء عادي ليس فيه أي معلومة. الشخص الوحيد الذي يستطيع أن يرى الضوء بخواصه هو الشخص الذي  يمكنه استخدام مفتاح متفق عليه بين المرسل والمستقبل.

لقد قامت الحكومة البريطانية بعمل مسح ودراسات شاملة بغرض وضع استراتيجية وطنية مخصصة لهذا المجال، وذلك بالتعاون مع معهد الفيزياء العالمي، ومقره المملكة المتحدة. انتهى هذا الجهد بإقرار ميزانية قدرها مليار جنيه إسترليني (مليار وثلاثمئة مليون ريال سعودي) لهذه المبادرة، التي تجدون تفاصيلها على موقع المبادرة uknqt.ukri.org.

سنتحدث في الأسبوع القادم عن مزيد من أحوال دول العالم في تبني هذا المجال.

 

عمر بن ظافر الشهري

قسم الهندسة الصناعية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA