قصة جائزة نوبل للفيزياء لهذا العام 2-2

 

 

تحدثنا في الأسبوع الماضي عن أهمية التواصل الكوانتي، وبدأنا في استعراض ردة الفعل البريطانية تجاهه، وسنكمل استعراض بعض التجارب والمبادرات الأخرى، ففي كندا يحظى أحد المعاهد المختصة باهتمام خاص من الحكومات الكندية المتعاقبة، ألا وهو معهد الحوسبة الكمية بجامعة واترلوو، لقد درست عدة سنوات في هذا المعهد، ورأيت كيف كان يزورنا في الصباح شخصيات شهيرة كستيفين هوكينق أو العائلة الملكية الهولندية وغيرهم، ثم يزورنا بعد الظهر أطفال من المرحلة الابتدائية وما قبلها، علمت لاحقا أن الهدف من ذلك هو الرغبة في إنشاء جيل جديد لا يعرف طموحا سوى هذا المجال، إما كبحث علمي أو كتصنيع للأجهزة والأنظمة، ولكن لماذا كل هذا الحماس والتخطيط المستقبلي؟ الإجابة هي في تمكن الصين من مفاجأة العالم أجمع عبر نجاحها في إرسال رسالة مشفرة كوانتيا، ليس عبر أمتار قليلة كما يحلم العلماء، بل عبر قمر صناعي كوانتي يستقبل الرسالة ويرسلها بين نقطتين بينهما آلاف الكيلومترات، كما هو موضح في الصورة التوضيحية أدناه.

لنتخيل حجم الصدمة، دعوني أنقل لكم ما كنت أشاهده في جامعة واترلوو، لأن نقل ما شاهدناه هو من الأهداف التي ابتعثنا الجامعة من أجلها (وأرجو أن نبني عليه): كان البروفيسور توماس جانيواين يحتل أرضا زراعية قريبة من الجامعة، بهدف إرسال رسالة كوانتية مشفرة من أول الأرض الزراعية هذه إلى آخرها تمر السنة بعد السنة، وجيل من طلاب الدراسات العليا يتبعه جيل، وأموال طائلة تنفق، وهو لا يزال يواجه الكثير من الصعوبات. في هذه الأجواء، يسهل لنا تخيل كيف كان خبر القمر الصناعي الكوانتي الصيني كالصاعقة لبقية العالم: لم ينقلوا الإشارة عبر أرض زراعية، بل عبر 1200كم من الأراضي الصينية وذلك من خلال قمر صناعي يبعد 500 كم من سطح الأرض! ولذلك أقول بأن هذا الحماس الغربي منقطع النظير، هو نفس الحماس الذي ألهبه تصنيع الاتحاد السوفياتي بعد إطلاقه مركبة سبوتنيك الفضائية، والذي جعل الولايات المتحدة تتجه لحملة وطنية شاملة قادت لصناعة مركبة الفضاء الخاصة بها أيضا، وهي الحملة التي تشبه الحملة البريطانية المشار إليها في الأسبوع الماضي.

هذا القمر الصناعي الكوانتي الصيني (في الصورة أدناه) هو نتاج عمل قارب 25 عاما بقيادة البروفيسور جيان-وي بان، والذي يعمل تحت إدارته الآن مئات من حملة الدكتوراة، فضلا عمن يعمل تحت كل واحد منهم. 

تبع ذلك الكوريون، حيث توجد الآن ثاني أكبر شبكة تواصل كوانتي (بعد الصين).

إن اعتراف جائزة نوبل بهذا العلم سيسلط المزيد من الأضواء عليه، ويمهد بالتالي لمزيد من دعمه وتنميته من صانعي القرار في بقية دول العالم، والدول في ذلك ليسوا بين مستقل ومستكثر، بل بين مبادر ومتأخر. ولذلك أرجو وأتمنى أن يلتفت المسؤولون عن التعليم والبحث العلمي في بلادنا إلى هذا الاتجاه التقني مادام أنه في مراحله المبكرة، وذلك ليس بإدخاله في الخطط الدراسية لكليات العلوم والهندسة فحسب، بل أيضا بفتح أقسام أكاديمية جديدة في هذا المجال، حيث إني ألاحظ اتجاها عالميا في فتح أقسام جديدة باسم Quantum Engineering وهو الذي أتمنى من الجامعات السعودية أن تنشئه. كما أتمنى من المسؤولين عن الصناعة ورواد الأعمال أن يقيموا شركات وشراكات جديدة في هذا المجال، إلى غير ذلك من متطلبات البنية التحتية لهذا المجال (الشبه معدومة حاليا) التي تجعلنا نلحق بالركب في هذه المرحلة المبكرة، فنكون ثالث دولة تتبنى نظام تواصل كوانتي واسع، وذلك لما فيه صالح الأمن التقني للمملكة العربية السعودية.

 

عمر بن ظافر الشهري

قسم الهندسة الصناعية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA