ما ملامح وصول الأدب السعودي إلى العالمية ؟

ثقافية رسالة الجامعة تسأل :

 

 

 

رسالة الجامعة - أريج السويلم

 

تجيب أ. أريج العميريني من قسم اللغة العربية والمتخصصة في الأدب السعودي :

   من الملاحظ أن الأدب السعودي الحديث قد حقق قفزة في السنوات الأخيرة، فعجلة التطور والتقدم في المجتمع الأدبي السعودي تسير بسرعة أكبر من مثيلاتها في المجتمعات الأخرى، يتجلى لنا ذلك بظهور أدباء سعوديين مبدعين يملكون الموهبة، والقدرة على الإبداع الأدبي، فجاءت نصوصهم مليئة بالحياة، والتجربة، ولا يقل مستواها أبداً عن الآداب القومية الأخرى. 

   نجد أن الدراسات الأدبية المقارنة تؤكد على بطلان مقولة (الاكتفاء الذاتي)، حيثُ لا يوجد أدب قومي لم يتأثر بآداب قومية أخرى بصورة من الصور، بل وتُؤكد دائماً على أن تطور الآداب لا يكون إلا بتفاعلها وتبادلها مع بعضها البعض، والأدب السعودي ليس بمنأى عن ذلك، حيثُ إنه أثر وتأثر بالآداب الأخرى.

   ظل الأدب السعودي زمناً طويلاً بمعزل عن الآداب العالمية، لكنه اليوم وصل إلى العالمية؛ نتيجة تطور الصحافة السعودية، وتطور الطباعة في مختلف أرجاء المملكة، وانتشار النوادي الأدبية في شتى مدن المملكة، وافتتاح أقسام ومعاهد ومدارس في الجامعات السعودية لتدريس اللغة العربية وآدابها في شتى الجامعات الغربية، وإصدار المجلات الثقافية والأدبية المتخصصة، وإقامة المهرجانات الثقافية، والمشاركة في الندوات والمهرجانات خارج المملكة، وتواصل المثقفون السعوديون مع الأدباء من خارج السعودية، كل هذه العوامل أسهمت بشكل أو بآخر في وصول الأدب السعودي إلى العالمية.

   الأدب السعودي في حالة تطور وارتقاء، مقارنة بآداب قومية أخرى في لغات أخرى كثيرة، حيثُ يعيش  اليوم حالة تبديل في الأولويات، فبعد ما كان الشعر متربعاً على عرش الأدب سنوات طويلة، بدأ الانزياح عنه رويداً رويداً، يعود ذلك إلى مقتضيات العصر الراهن، حيثُ زيادة التحديات، وتشعب المعضلات، فأصبح التوجه الجديد للأدباء السعوديين إلى الرواية التي نجحت بفي الوصول إلى المتلقي، وغاياته ومشاعره، والخوض بتجاربه، هذه المرحلة الانتقالية التي يعيشها الأدباء السعوديون ليست خاصة بهم، بل هي حراك عالمي، تمثل هاجساً إنسانياً لما يمر به عصرنا من تسارع وتبدل للقيم والمثل في وقتٍ قصيرٍ جداً.

   أصبح للرواية السعودية حضورٌ قوي من خلال المحافل الأدبية الدولية، حيثُ ساهمت هذه المحافل بشكل كبير بانتقال الأدب السعودي من القومية إلى الآداب العالمية الأخرى، ومن أهم المحافل الأدبية العالمية التي شارك بها الأدب السعودي هي: الجائزة العالمية للرواية العربية «البوكر».  

   نجد أن أول روائي سعودي يفوز بجائز «البوكر» هو الروائي: عبده خال، عام 2010م، عن روايته: «ترمي بشرر»، وفي عام 2011م فازت رجاء عالم كأول امرأة عربية تفوز بالجائزة الدولية العالمية عن روايتها: «طوق الحمام»، والتي أيضاً كانت فائزة بجائزة «اليونيسكو للكتابة الإبداعية للمرأة العربية» عام 2005م، وفي عام 2017م يفوز الروائي: محمد حسن علوان بجائزة «البوكر» عن روايته: «موت صغير». 

   هذه المحافل الدولية لفتت انتباه النقاد والباحثين الغربيين إلى الأدب السعودي، كما أنها مهدت لترجمة الكثير من الأعمال الأدبية السعودية إلى اللغات الأجنبية الأخرى، مثل الروايات التي فازت في الجوائز الأدبية، وروايات لغازي القصيبي، ويوسف المحيميد، وتركي الحمد، وغيرهم الكثير، كما لا يمكن تجاهل رواية «بنات الرياض» لرجاء الصانع التي ترجمت إلى أربعين لغة عالمية.

   يظهر الاهتمام الكبير في السنوات الأخيرة بالأدب السعودي؛ بداية من إنشاء معهد الملك عبدالله للتعريب والترجمة؛ الذي أُسس عام 2011م على أيدي المهتمين من الباحثين السعوديين في جامعة الإمام محمد بن سعود، ويهدف إلى إقامة جسور للمعرفة المتنوعة لدعم حوار الحضارات والثقافات، هذا المعهد الذي يعد إثراءً للمحتوى العلمي والمعرفي والثقافي في مختلف التخصصات العلمية والأدبية، وإنشاء وزارة الثقافة عام 2018م التي تقوم رؤيتها على تشجيع الحوار الثقافي مع العالم، وتهدف إلى أن تفتح للعالم منافذ جديدة ومختلفة للإبداع والتعبير الثقافي، وإنشاء كذلك أول جمعية سعودية متخصصة للأدب المقارن، هذه الجمعية التي تجلت وبرزت على أيدي المهتمين والباحثين السعوديين من جامعة الملك سعود عام 2019م، حيثُ كانت أهم أهدافها العمل على خلق حلقة وصل بين الثقافة السعودية وبين المحلية والعالمية، بالإضافة إلى ذلك تعزيز مكانة الدراسات النقدية المقارنة في المملكة العربية السعودية، وأهم ما تطمح إليه هو إبراز الهوية الثقافية الوطنية إيماناً بمكانة المملكة الحضارية والثقافية في التفاعل مع حضارات العالم المختلفة في حقول متعددة سواءً في الفكر والأدب وحتى الفنون، وكذلك إنشاء هيئة الأدب والنشر والترجمة عام 2020م، كل هذا توافقاً مع رؤية المملكة العربية السعودية 2030.

يعيش الأدب السعودي اليوم ازدهاراً ثقافياً واضح المعالم، يوحي بمستقبل مميز ومبدع يوازي الدول التي عُرفت بمركزيتها الأدبية على مدى سنوات.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA