حكاية شهادات الدكتوراة الفخرية

 

في عام 1478، قامت جامعة أكسفورد البريطانية العريقة بمنح شهادة دكتوراه فخرية للسير ليونيل وودفيل، وهو أحد الأساقفة النبلاء، وكان صهراً لملك إنجلترا إدوارد الرابع، لتكون هذه الشهادة هي أول دكتوراه فخرية في التاريخ، ولتصبح بعدها الشهادات الفخرية تقليداً للجامعات والمؤسسات العلمية العريقة التي تملك تاريخاً وأصالة وريادة، حيث بدأت الجامعات الغربية في منح الدرجات العلمية الفخرية على سبيل التكريم، وكانت أول شهادة فخرية في الولايات المتحدة في علم اللاهوت، والتي منحتها جامعة هارفارد لأحد رؤسائها في عام 1692. والشهادات الفخرية عادة لا تمنح لقب دكتور لحامليها، لأنها شهادات تكريمية خالية من أي رسائل علمية أو مناقشات منهجية، على الرغم من استخدام بعض الشخصيات العالمية للقب دكتور مثل السيد بنجامين فرانكلين أحد أبرزِ الآباء المؤسسين للولايات المتحدة، والذي كان معروفاً باكتشافاته العلمية، وكان مشهوراً عنه الذكاء والحكمة.

الشهادات الفخرية من أرفع الأوسمة والتكريمات التي يتم منحها للشخصيات الناجحة، حيث تُمنح عادة للشخصيات على سبيل التكريم لإنجازاتها وعطاءاتها الشخصية المتميزة، وإسهاماتها العلمية والاجتماعية، وهي منحة شرفية تُمنح لشخصيات مُحددة كتعبير عن الشكر والامتنان لجهودها الإنسانية في مجالات مختلفة كجهودها في المجالات السياسية أو الاقتصادية أو الإدارية أو العلمية أو الاجتماعية أو التربوية، وتقوم حينها المؤسسات العلمية والتعليمية باختيار الشخصيات التي تعكس قيمها العليا وتمثل نموذجاً إيجابياً لمبادئها وأهدافها على نطاق أوسع.

وجرت العادة أن تكون المؤسسات التعليمية المانحة للشهادات الفخرية مؤسسات عريقة تملك تاريخاً ممتداً وتراثاً علمياً راقياً وفكرياً متميزاً، وأن يكون لها مصداقية أكاديمية ومنهجية علمية ونزاهة أخلاقية خالية من التربح والتكسب من وراء هذه الشهادات الفخرية التي تقدمها للشخصيات البارزة. وتأتي شهادة الدكتوراه كأكثر الدرجات الفخرية شيوعًا وانتشاراً، على الرغم من وجود درجات الماجستير الفخرية أيضاً، وكلا الدرجتين الفخريتين تمنحان للشخصيات في كل المجالات، ولا يشترط على المُرشح للشهادة الفخرية أن يكون قد التحق بالجامعة المانحة أو أن يكون له أي ارتباط بها. وقيمة الدكتوراه الفخرية مرتبطة بحجم وقيمة الجهة العلمية والأكاديمية المانحة لها، وكذلك مرتبطة بقيمة الشخص الذي حصل عليها، لذلك فقيمة هذه الشهادات هي قيمة معنوية لتكريم أسماء وشخصيات مبدعة في مختلف المجالات والتخصصات والفنون.

وهناك نموذجان للشهادات الفخرية، النموذج الأوروبي الذي يقتصر على عدد محدد من الشهادات الفخرية التي يتم منحها سنوياً، وتكون مقيدة بالتقاليد الأكاديمية الخاصة بالجهة المانحة، ويسمح هذا النموذج للاشخاص الممنوحين لشهادات الدكتوراه الفخرية بحمل لقب دكتور مما يمكنهم من ممارسة مهنة التدريس في تلك المؤسسات والجامعات المانحة. النموذج الآخر هو النموذج الأمريكي الذي تعتمده معظم الجامعات الأمريكية، وتمنح فيه الشهادات الفخرية لشخصيات مؤثرة تدعم الجامعة مالياً ومعنوياً.

وتشكل الشخصيات السياسية النسبة الأكبر ضمن الشخصيات الممنوحة لشهادات الدكتوراه الفخرية، حيث يتم عادة تكريم الملوك والزعماء والرؤساء والأمراء والقادة بهذه الشهادات تثميناً لجهودهم الإنسانية وأدوارهم السياسية ودعمهم المادي واللوجستي للدول والأمم والشعوب، وقد حظي قادة وملوك هذا البلد الكريم بنصيب وافر من شهادات الدكتوراه الفخرية من مختلف المؤسسات والجامعات العالمية المرموقة والتي تعكس الحجم الكبير والدور المؤثر الذي تلعبه المملكة العربية السعودية على المستوى الإقليمي والدولي.

وكمؤسسة علمية وتعليمية رائدة وعريقة، تمنح جامعة الملك سعود شهادات الدكتوراه الفخرية لعدد من الشخصيات المؤثرة في المشهد الدولي سياسياً واقتصادياً، حيث تشرفت الجامعة بتقديم شهادة الدكتوراه الفخرية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز، ولعدد من ملوك المملكة العربية السعودية، ولزعماء العالم، وكان آخر هؤلاء الزعماء رئيس جمهورية الصين الشعبية أثناء زيارته للمملكة استجابةً لدعوة كريمة من خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز آل سعود وتعزيزاً للعلاقات التاريخية والشراكة الاستراتيجية المتميزة التي تجمع المملكة العربية السعودية بجمهورية الصين الشعبية، حيث قامت جامعة الملك سعود بمنح ضيف المملكة الكبير شهادة الدكتوراه الفخرية في الإدارة تقديراً لجهود الرئيس الصيني الكبيرة في مجال الإدارة والقيادة، وتثميناً للعلاقة المزدهرة والتعاون المستمر بين البلدين الكبيرين.

 

د. خليل اليحيا

كلية الطب

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA