فرحة طالب علم

 

 

في ظل عصر يمتاز بالاضطراب والقلق النفسي، تكون هناك دائما نسمات هادئة تلامس وجه الإنسان وتطير به إلى سماء السكينة والطمأنينة، ويسبغ الله -جل شأنه- نعمه الظاهرة والباطنة عليه، فيشعر بوجود معنى لحياته، ويفرح ويحتفل ويكترث لهذه النعم الكثيرة عندما يقوم بإنجاز عمل له قيمة في حياته وقد حلم به من قبل. وهذا الإنجاز يدخل فيه القيام بواجب ديني، كما جاء في الحديث الشريف عن رسول الله ﷺ إذ يقول: «للصائم فرحتان، فرحة عند فطره وفرحة عند لقاء ربه» صحيح مسلم. يقول القرطبي: «معناه فرح بزوال جوعه وعطشه، حيث أبيح له الفطر، وهذا الفرح طبيعي، وهو السابق للفهم» فتح الباري:4/118، ويقول ابن حجر: «ولا مانع من الحمل على ما هو أعم مما ذكر، ففرح كل أحد بحسبه؛ لاختلاف مقامات الناس في ذلك» المرجع السابق. 

من بين هذه الفرحات توجد فرحة لطالب العلم لا تساويها فرحة أخرى، يجدها طالب العلم عندما يخرج من القاعة الدراسية بعد آخر اختبار له، وشعوره عندئذ لا يوصف، يشعر الطالب المجتهد الموفق كأنه قد أنجز عملا عظيما لا تعب له بعده، لأن أيام الامتحانات أشد أيام عليه في فصله الدراسي، ويجتهد فيها الطالب كثيرا كثيرا، وقد يؤديه هذا الاجتهاد إلى الإجهاد والتعب الشديد مع ما يجده من القلق والتوتر النفسي، ثم تأتي هذه النهاية الطيبة المتصلة بالإجازة السعيدة كموجة نسمة باردة تسرب الطمأنينة والارتياح في نفس الطالب، وتعطيه نوعا من فرحة لا يوجد لها مثيل.

إن لفرحة نهاية الاختبار النهائي ولفرحة الإجازة لونا خاصا في الشعور بهما، فالأولى تعطي الطالب فسحة وفراغا بعد جهد طويل، وينتظرها الطالب بفارغ الصبر حتى يعز عليه وجود أيام الفراغ بين اختبارين، والأخرى تذهب به إلى ما هو خارج عن المألوف الذي مارسه الطالب لوقت غير قليل ويريد أن يأخذ قسطا من الراحة؛ لكي يشحذ همته من جديد ويستأنف حيويته؛ لأن النفوس سرعان ما تكتئب وتتنفر مما هو معهود لها، وتحس بفرحة شديدة عند الخروج منه، كما تفسر كلمات المباركفوري فرحة الصائم الأولى: «أي إفطاره بالخروج عن عهدة المأمورة» مراعاة المفاتيح: 6/408،  فالإجازة تكون من باب التنشيط والتحفيز، يقول السعدي شارحا الحديث المذكور:  «وفيه الإشارة إلى أن الصائم إذا قارب فطره، وحصلت له هذه الفرحة، فإنها تقابل ما مر عليه في نهاره من مشقة ترك الشهوات، فهي من باب التنشيط، وإنهاض الهمم على الخير» بهجة قلوب الأبرار، ص:86

وفي النهاية، على الرغم من وجود هاتين الفرحتين الكبريين فنفس الطالب تتقلب بين يأس وأمل، فإنها لا تستقر وتطمئن إلى أن تظهر النتيجة، والنتيجة السلبية كفيلة بأن تفسد إجازته عليه، وتحرمه من التلذذ بهذه الأيام الجميلة. وفقنا الله وإياكم.

 

ياسر أسعد

بكالوريوس في قسم اللغة العربية

 كلية العلوم الإنسانية والاجتماعية

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA