لا تقتلوا الدافعية في وجدان طلابكم

 

 

كثيراً ما ينظر عضو هيئة التدريس لطلابه -عن طريق الخطأ- على أنهم متطابقون معه في صفاته وغير مختلفين عنه، وينظر إليهم كما لو أنهم كانوا يعيشون حاضرًا يماثل ماضيه العلمي والتعليمي والتعلمي بكل ظروفه ومقتنياته، بل كثيراً ما ينظر إليهم على أنهم أُعطوا كل شيء؛ لكنهم ضنوا بكل شيء على سبيل تعلمهم.

وبالتالي انطبع ذلك على أسلوب تعليمه لهم، بل على التصورات المستقبلية لحياتهم الشخصية والوظيفية والعلمية أيضا، وانعكس ذلك على مدى إشعاله فتيل الدافعية لديهم للتعلم ، فتجده أحياناً كثيرة يبخل عليهم بالتحفيز أو زيادة الرغبة في تعليمهم وتعلمهم، وهذا له كبير الأثر على طلابنا في تعلمهم وصقل شخصياتهم، بل يتعدى ذلك إلى مستقبلهم الوظيفي، فنجد الطالب وقد أصبح مكبَّلاً بقيود جمة من اللامبالاة والإحباط ، وأحياناً كثيرة الكسل المستباح بوصفه رد فعل طبيعي وغير مباشر لأسلوب تعلمه وقلة الدافعية لديه.

عزيزي عضو هيئة التدريس، لابد أن نعلم جميعاً أننا مختلفون فيما بيننا، وأن طلابنا مختلفون عنا في صفاتهم وطباعهم وأسلوب تعلمهم وحساسيتهم للمشكلات. إن طلابنا كثيراً ما يحتاجون في طريقهم -الذي قد تشوبه بعض الظلمة أحياناً يتحسسون خلالها مستقبلهم- إلى من يشعل لديهم لهب الدافعية لينير لهم الطريق ، ويفجر من خلاله طاقاتهم المدفونة ليعطوا الكثير ويتعلموا الكثير ، تارة عن طريق المشاركات وتارة عن طريق إعطائهم الفرصة ليعبروا عن أنفسهم وأفكارهم واستنتاجاتهم ، وتارة أخرى عن طريق حثهم على إبراز الجوانب المتميزة لديهم والأفكار الخلاقة التي بداخلهم ، وتارة أخرى عن طريق المدح والثناء على الصفات الحميدة والجيدة لدى المتعلم الجيد ، وتارة أخرى بمساعدتهم في رسم توضيحي لمستقبلهم أثناء تعلمهم قدر المستطاع ، فيمكن أن تقول إن هذا الطالب الذي أجاب عن السؤال ممتاز جداً، ومن خلال إجابته والمنطق الفذ الذي أجاب به يصلح أن يكون قائداً أو مديراً لشركة ، وآخر يصلح مخترعًا لنظرية حديثة أو لجهاز تسعد به البشرية.

يمكنك أن تقول لطالب أخفق في إجابته وبدون توبيخ له: إن هناك إجابة أفضل من هذه الإجابة، وإن هذا الطالب له ملكات أخرى ممتازة مثل كذا وكذا .. وإن الله خلقنا غير متساوين في قدراتنا ليحتاج بعضنا إلى بعض.

يحتاج طلابنا إلى من يقول لهم إنه لا يوجد شخص غبي في التعلم ، فالكل خلقهم الله بنسب من الذكاء قد تتوفر بكثرة لدى البعض منا في الرياضيات، وآخر في العلوم، وآخر في الشعر والأدب، وآخر ليكون قائداً ومديراً ، وآخر ليكون طبيباً ومهندساً، وآخر ليكون مخترعاً ومبتكراً ، وآخر لديه نسب عالية من الذكاء الاجتماعي والأسري.

لابد لهذه العبارات من أن تُقال لطلابنا، وخاصة عند تعلمهم مادة مجردة وتجريدية مثل الرياضيات والإحصاء.

وأتذكر هنا أحد طلابي بالسنة الأولى المشتركة ، كان يكره الرياضيات، ليس لقلة ذكاء، ولكن نتيجة موروث ثقافي لدى بعض زملائه الذين سبقوه في مراحل تعلمه  ولم تكن لديهم دافعية للتعلم، وحينما سألته سؤالاً في الرياضيات، ولم تكن إجابته صحيحة بنسبة 100% ، غير أنني قلت له: إجابة ممتازة جداً، ولكن لمَ كانت إجابتك على هذا النحو؟  ففكر قليلاً وقال لي: لو كان لدي مشروع لكانت هذه إجابتي ، ولم يكن رد فعلي إلا أن جعلت بقية الطلاب يصفقون له، فإجابته فعلا من الناحية المنطقية سليمة جداً ، ثم عدّلتها رياضياً وقلت له: ينقصها كذا وكذا...

هل تعلم عزيزي عضو هيئة التدريس أن هذا الطالب أصبح من أفضل طلاب الشعبة بل من الأفضل على مستوى طلاب دفعته، وحصل على تقدير A+؟ وذلك بدافعية بسيطة لم تكلفني شيئاً ، والأمثلة على ذلك كثيرة.

   أبناؤنا الطلاب يحتاجون إلى من يثير الدافعية لديهم للتعلم ، بل وينوع هذه الإثارة ، فتارة بالمستقبل الوظيفي للطالب ، وتارة عن طريق السيرة الذاتية للعلماء عامة أو لعلماء الرياضيات خاصة ، وتارة بتشجيع المهارة لدى الطالب ، وتارة بدرجات الاختبار، ولكن لتكن هذه آخر وسيلة لإثارة الدافعية لديه، وليست أول وسيلة.

أبناؤنا الطلاب قد يكونون مظلومين أكثر منا، لأن لديهم مثيرات كثيرة جداً أكثر من الأجيال التي سبقتهم ، وسائل تواصل اجتماعي متعددة وألعاب كمبيوتر ذوات عوامل جاذبة تضيع معها الساعات والساعات دون أن يشعروا، بل هي أكثر إثارة من لعب كرة القدم أو أية رياضات أوحضور للمناسبات الاجتماعية والأسرية ، عالم مفتوح أمامهم على الإنترنت بأخباره وملهياته وكوارثه واقتصاداته ... تجذب الكبير قبل الصغير ، ولذا يجب علينا أن نقف بجانبهم، ونناصرهم، ونبصّرهم بأنفسهم، ونأخذ بأيديهم، ونزيد من دافعيتهم للتعلم باستمرار؛ ليتصدوا بها أمام هذه الملهيات، فرفقاً بهم كي تسير مركبهم لبر الأمان، ويصبحوا مواطنين صالحين نافعين لأمتهم ودولتهم ومستقبلهم ، قادرين على اكتشاف أنفسهم وما لديهم من ملكات ومهارات وأفكار ومخترعات ، قادرين على إحداث التغيير والتنمية والنقد البناء وحسن الإدارة ، واثقين من أنفسهم، مؤمنين بقدراتهم في التغيير والبناء لعالم يتغير تكنولوجياً وعلمياً كل ثانية بل كل فيمتو من الثانية. 

 د. هشام عبده عبد الغفار 

منسق الجودة والتطوير والتدريب - قسم العلوم الأساسية 

السنة الأولى المشتركة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA