قرارات خاطئة

الحياة قائمة على خيارات وقرارات، والفرد مسؤول في النهاية عن قراراته وعن اختياراته، (كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ)، وكلما تعددت الخيارات تعقد اتخاذ القرار وأصبحت المفاضلة بين الخيارات المتاحة عملية مرهقة نفسياً وذهنياً. والإنسان يتخذ عشرات القرارات يومياً، وهي معظمها قرارات تلقائية غريزية كالأكل والشرب والذهاب إلى الفراش ومشاهدة التلفزيون واختيار الملابس المناسبة للخروج، حيث تؤكد بعض الأبحاث العلمية أن الإنسان العادي يتخذ تقريباً أكثر من 2000 قرار في الساعة الواحدة من ساعات اليقظة، وعلى الرغم من ذلك، فإن هذه القرارات العفوية والتلقائية تحتاج مساحة من التفكير فيها، الذي ربما يقود إلى اتخاذ القرارات الخاطئة، يقول مايك إروين (Mike Erwin) في مقال منشور في مجلة هارفارد بزنس ريفيو «إن القرارات التي نتخذها على مدار اليوم تتطلب منا قدراً من التفكير الفعلي من أجل معرفة أسباب اتخاذ القرارات السيئة».

القرارات الخاطئة غالباً هي انعكاس للحالة الذهنية والنفسية للإنسان، فقد يكون الإنسان مرهقاً، أو مشوشاً، أو مرتبكاً، أو خائفاً من شيء ما، أو ربما يُعاني من اعتلالات واضطرابات نفسية فتأتي قراراته تبعاً لحالته الذهنية والنفسية، ولهذا تحتاج عملية اتخاذ القرار إلى توفر قدر من الشروط والمعايير لضمان سلامة عملية اتخاذ القرار والتقليل من تلك القرارات الخاطئة التي ربما تكون نتائجها وخيمة على الإنسان وتؤدي لارتكاب مزيد من الأخطاء الفادحة، ذكر المؤلف ستيفن وير (Stephen Weir) في كتابه الذي عنوانه «أسوأ قرارات التاريخ» أن التاريخ هو نتاج سلسلة من الأخطاء الكبرى، بالرغم – حسب وصف ستيفن - من أن من اتخذ تلك القرارات أناس نواياهم حسنة ويتمتعون بقدر كبير من الذكاء.

القرارات بشكل عام تحيط بها بعض الظروف التي تحتم على الإنسان اتخاذها، وهي قرارات ليست حقيقة بإرادة أصحابها -كما يصفها ستيفن وير في كتابه- بل هي أخطاء في الحكم والتقدير ساهمت في انحراف بعض القرارات عن مسارها الصحيح، وأصبحت من ضمن القرارات الخاطئة، وعملية اتخاذ القرارات عملية ذهنية بالمقام الأول تتحكم فيها المشاعر والأفكار والانفعالات والذكريات التي ربما تخلق مزيدًا من الضغوط التي تؤثر على المزاج الشخصي وعلى الاستقلالية الذهنية التي تعمل على التفكير السليم والمنطقي لاتخاذ القرارات الصائبة.

والإنسان عادةً لا ينسى تلك القرارات السيئة التي قام باتخاذها في الماضي، حيث يخزن الدماغ تلك الذكريات والتجارب ليستخدمها لاحقاً بوصفها مرجعًا في عملية اتخاذ القرارات المستقبلية، وهنا قد يخرج الإنسان من الحالة الحيادية والعفوية في اتخاذ القرارات، لتكون هذه الذكريات وما يصاحبها من انفعالات ومشاعر عاطفية سلبية عاملاً رئيساً في صنع مزيد من القرارات الخاطئة. يقول الدكتور بول نات (Paul Nate) - الذي قضى أكثر من 20 عاماً في جامعة أوهايو في دراسة كيفية اتخاذ القرارات - إن نصف القرارات هي من النوع الفاشل على الرغم من المبالغ الطائلة والموارد الكبيرة التي تنفقها المؤسسات دون تحقيق أي نتائج مطلوبة.

القرارات هي آليات لإيجاد بدائل أو حلول لمشكلات وعوائق تمنع الأفراد والكيانات من تحقيق الأهداف المطلوبة وتنفيذ الخطط المرسومة، حيث يبدأ أولاً الفرد أو الكيان بمرحلة «صنع القرار» وهو تهيئة الظروف وتوظيف الأحداث واستثمار المعلومات للمرحلة اللاحقة وهي مرحلة «اتخاذ القرار»، إذ أن عملية اتخاذ القرار لا يجب أن تكون خالية من أي مبررات أو معطيات، فحتى تلك القرارات العفوية والتلقائية التي نتخذها على مدار الساعة لا تخلو من مبررات ومعطيات، فالإنسان يتخذ قرار الأكل عندما يكون هناك تغيير فيسيولوجي في الجسم يؤثر على الحالة الذهنية، فيستدعي الإنسان لصنع القرار لمعرفة الخيارات المتاحة للأكل، وطبيعة الوجبات الغذائية المتوفرة، والرغبة الذاتية، والمكان المتاح، ثم يتم اتخاذ القرار النهائي بتحديد الوجبة ومكانها وظروفها. وهكذا يجري الأمر على كافة القرارات التي يتخذها الإنسان، سواء كانت قرارات عفوية تلقائية روتينية أم قرارات مصيرية مؤثرة على حياة الإنسان ومستقبله. تقول إيمان الحيارى في مقال لها عن الفرق بين صنع القرار واتخاذ القرار: «إنّ عملية صنع القرار هي عملية ديناميكية تمر بعدة مراحل، بدءاً من مرحلة التصميم وانتهاءً باتخاذ القرار»، وتكمل الكاتبة إيمان الحيارى: «بينما عملية اتخاذ القرار هي اختيار الحل الأمثل بين مجموعة من القرارات تم صنعها من قبل شخص مخوّل بذلك».

واتخاذ القرار أحياناً يشبه عملية الضغط على الزناد، فعندما تخرج الرصاصة من المسدس فلن تعود حتى تنهي مشوارها، إلاّ أن يحول حائلٌ يمنعها من إصابة الهدف المرسوم لها، هذا المشوار للرصاصة قد يفتك بجسد بريء أو يردي قتيلا، وهكذا القرارات الخاطئة عندما يتم اتخاذها، فقد تنتهي أحياناً بكارثة أو مصيبة أو نتائج مزعجة خارج نطاق السياق المُخطط لها.

يقول الأستاذ محمد شطيفة في مقال له بعنوان «لماذا نتّخذ بعض القرارات الخاطئة في حياتنا؟» والمنشور في مدونة أراجيك (Arageek): «عندما يتوجب علينا اتخاذ قرار ما في حياتنا – كبيراً كان أم صغيراً – فبلا أدنى شك نحن نحاول اتخاذ الخيار الأفضل لكن في بعض الأحيان وعلى الرغم من حسن نوايانا نتخذ بعض الخيارات السيئة» والبعض من الناس يبقى متعلقاً بأدواته القديمة وإستراتيجياته العقيمة عند اتخاذ القرارات، ولا يقوم بتجريب أساليب وأدوات جديدة تمنع من اتخاذ المزيد من القرارات الخاطئة وارتكاب الأخطاء المتكررة التي تفقد الإنسان بعض الفرص الذهبية وتقلل من تحقيق تلك الإنجازات الحيوية.

ويعتمد القرار الصحيح على الوقت السليم لاتخاذ هذا القرار، فعدم الاهتمام والعناية بوقت اتخاذ القرار، والمماطلة في ذلك والتسويف المتكرر يؤديان في النهاية إلى اتخاذ قرارات خاطئة، حيث يفقد الإنسان بعض الفرص الجيدة بسبب الاستغراق في التفكير لوقت طويل مما يجعل تلك الفرص تذهب لمن اتخذ قراره في الوقت المناسب، يقول الفيلسوف الصيني كونفوشيوس: «إذا لم يعبأ المرء بالمشكلات البعيدة، فإنها سوف تثير قلقه عندما تصبح أكثر قرباً».

خليل اليحيا

كلية الطب

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA