البحث العلمي وأهميته في رؤية المملكة

 

البحث العلمي هو أحد أبرز العناصر التي تعوّل عليها رؤية المملكة 2030 الهادفة إلى نقل الاقتصاد الوطني من الاعتماد على النفط والتحوُّل إلى الاقتصاد المعرفي، وهو حجر الزاوية في بناء أي اقتصاد قائم على الابتكار، لذا لقد خطت المملكة خطوات كبيرة وجادة بتوجيه من قيادتها الحكيمة في سعي حثيث وخطوات عريضة نحو إحداث التطور التقني لمواطنيها وأبناء شعبها مع الحفاظ على القيم الدينية السمحة والتقاليد الاجتماعية الأصيلة، وفي هذا الإطار كان من الطبيعي أن يتجه البحث العلمي إلى تطوير المجتمع السعودي ونقل التقنية الحديثة بعد أن أرست قواعد وأسس ونظم التعليم الجامعي، حيث أنشئت مراكز متخصصة في الجامعات لتبنّي وتمويل المشاريع البحثية وتوفير جميع الإمكانيات المادية والعملية لتيسير المسار البحثي وتهيئة جميع الظروف الملائمة لاستيفائه وإتمامه، كذلك أنشئت مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية لتشجيع البحوث وتبنيها والاستفادة منها، ولذلك نشطت حركة البحوث العلمية في الجامعات السعودية وأوجدت روح التنافس بين القطاعات العلمية المختلفة.

ومما لا شك فيه أن مراكز البحوث في بلادنا ومؤسساتها العلمية تحتوي على قدر كبير من الوسائل والإمكانات التي قد لا تتوفر لدى كثير من دول العالم المتقدم التي إذا أُحسِن استخدامها فستؤتي -بإذن الله- ثمارا يانعة ونتائج باهرة في مجالات البحث العلمي، كما أن مؤسساتنا العلمية تبذل الجهود المضاعفة لتهيئة المناخ العلمي المريح والحوافز المادية المشجعة حتى ينصرف الباحثون نحو بحوثهم بكل قواهم الفكرية والعلمية، بعيدين عن مشاغل الحياة وصوارفها، وهو ما تفعله كثير من الدول المتقدمة التي تهيء للباحثين كل الإمكانات المريحة التي تكفل للباحثين مستوىً معينا يوفر لهم الحياة الفكرية المبدعة والأجواء المستقرة الوادعة، هذا إلى جانب إتاحة سبل النشر والتطبيق لما أتموه من بحوث قيِّمة وما أحرزوه من نتائج باهرة، انطلاقًا مما أثبتته الجامعات لدينا من تميُّز وجدارة واستحقاق من خلال تصنيف مؤشرات عدد من المؤسسات العلمية العالمية المرموقة التي يتم على أساسها تقييم وتصنيف الجامعات الحديثة مثل: مؤشرات QSوشنغهاي والتايمز بحيث تشمل: حجم الابتكار وعدد الحاصلين على درجات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس، وحجم المؤسسة العلمية ودَخْلها، وسُمعتها الأكاديمية في البحوث، ودَخْلها من البحوث، ومخرجات البحث وعدد الأوراق البحثية السنوية ومخرجات البحث وعدد الاستشهادات بأبحاثها، وعدد الاقتباسات مما تُنتجه الجامعة بشكل سنوي، وكذلك التنوع الدولي، وبيئة التعلّم، وسمعتها العلمية وجودة التعليم وجودة هيئة التدريس. وهذه التقييمات لم تأت من فراغ بل من وكالات الجامعة المتخصصة في الدراسات العليا والبحث العلمي بوصفها هيئات تحكيمية تنظيمية واستشارية وإدارية؛ لتوفير التوجيه الإستراتيجي والإشرافي لاستمرار الأنشطة البحثية بجامعاتنا، والتأكد من إجراء جميع الممارسات البحثية والإدارية بشكل مسؤول عالٍ وأخلاقي راقٍ وبما يحقق مصلحة الاحتياجات المجتمعية.

وفي هذا الإطار ذاته، وحرصًا من جامعاتنا على توفير البيئة العلمية لطرح الجديد من البحوث العلمية في مجالات علمية مختلفة، قد سعت جامعاتنا إلى إنشاء وتطوير عدد من الجمعيات العلمية المتخصصة في الحقول العلمية، للبرامج الأكاديمية بالجامعة، ينتسب إليها وينتظم في عِقدها جانب كبير من الخلفيات العلمية المتميزة والخبرات المهنية المتطورة، وقد دأبت تلك الجمعيات على تبني مفهوم يتمحور حول العمل على جمع أرباب التخصصات المتجانسة لتطوير المعارف وصقل الخبرات وبلورة المفاهيم والارتقاء بأساليب الممارسة وتقريب الأعضاء بعضهم من بعض في إطار التخصص الواحد والعمل المشترك الواحد. كما تهدف هذه الجمعيات إلى تنمية الفكر العلمي والعمل على تطويره وتنشيطه إلى جانب تحقيق التواصل العلمي لأعضاء الجمعية، وتقديم المشورة العلمية في مجالات التخصص، وتطوير الأداء العلمي والمهني للأعضاء، إضافةً إلى تقديم الاستشارات والدراسات العلمية وتطوير المعارف النظرية والتطبيقية وتطوير مفاهيم وأساليب جودة الأداء، وتعزيز ثقافة الجودة من الناحيتين النظرية والتطبيقية في الصناعات والمنتجات الوطنية.

وفي هذا السياق يكون في ذلك دعم للتواصل بين الاختصاصات والاهتمامات وإيجاد مناخ صحي وبيئة مريحة وأرضية سليمة لتبادل المعلومات ونقل الخبرات والتعرف على أوجه وأساليب التقدم المعرفية والأفكار المستجدة والتطورات الحديثة في مجالات العلوم والتخصصات المختلفة. وهذه الجمعيات العلمية في جامعاتنا تمثل ظاهرة تكاد تكون موجودة في معظم دول العالم وبخاصة المتطورة منها، وهي سمة عصرية تمثل في حد ذاتها دليلاً على المستوى الحضاري ومؤشرًا للتقدم العلمي الذي وصلت إليه الأمم في العصر الحديث، فعلى سبيل المثال هناك جمعيات علمية في جامعاتنا لها نشاط علمي بارز يتمثل في عقد المؤتمرات، وتنشيط البحث العلمي، وإصدار النشرات، وإجراء البحوث، وتبادل الخبرات والمعلومات في تخصصات هندسية وطبية ومعلوماتية وإنسانية واجتماعية، يتمثل في الإصدارات المنشورة، والمؤتمرات، واللقاءات العلمية التي ينظمونها ويشرفون عليها ويشاركون فيها ويدعون إليها، وهذه الأنشطة لها إسهام بارز في اللقاءات العلمية وتطوير العلاقات بين أصحاب التخصصات والاهتمامات المتماثلة.

وفي الختام نستطيع أن نؤكد أن ما ورد ذكره من رؤى وأفكار في المقالات السابقة لهو الغاية التي يطمح لها ويتوق إليها كل باحث وعالم سعودي وهو - بفضل الله - لا يقل في نضج عقليته وعمق خبرته وسعة إدراكه وتميز شخصيته عن أي باحث آخر في العالم، حيث إن الكثير من الباحثين السعوديين قد تخرجوا في جامعاتنا المتميزة أو من جامعات عالمية أفرزت الكثير من العلماء والباحثين المرموقين، والله الموفق والهادي إلى سواء السبيل. 

 

أ.د. عبد الله محمد الشعلان

كلية الهندسة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA