الوسم- موسم الأمطار في المملكة العربية السعودية (1-2)

 

 

بدأ «الوسم» أو موسم هطول الأمطار في المملكة مع نهاية فصل الخريف من 16 أكتوبر 2022م ويمتد حتى 6 ديسمبر 2022م، ومر شتوياً جافاً من دون تهاطل يذكر على منطقة الرياض، غير أنها تعرضت مع بداية فصل الشتاء -في المربعانية- إلى هطول أمطار خفيفة إلى متوسطة من 12 إلى 15 ديسمبر، كما تعرضت منطقة مكة المكرمة إلى هطول أمطار متوسطة إلى غزيرة من 18 إلى 21 ديسمبر. وشهدت المملكة -وبخاصة منطقة الرياض- منذ 30 ديسمبر 2022م حتى 6 يناير 2023م سحبًا رعدية وهطول أمطار من متوسطة إلى غزيرة، أدت إلى جريان السيول في سلسلة متتابعة من البحر الأحمر إلى الخليج العربي، عابرة عوالي نجد وشِعابها. والسؤال ما هي الأسباب؟ وهل كميات الأمطار اليومية غير اعتيادية مقارنة بسجل كميات الأمطار خلال الأعوام السابقة؟ الإجابة في السطور التالية:

تُعد نظم الضغط الجوي Atmospheric Pressure Systems وما يطرأ عليها من تغيير موسمي على المملكة من أهم العوامل الجوية التي تهيمن على مناخها؛ حيث يؤثر توزيع الضغط الجوي على المستويين السطحي والعلوي على حركة الهواء أفقيا ورأسيا، مما ينتج عنه نقل للطاقة المؤثرة في الظواهر الطقسية وحركتها وتعمقها، ومنها تهاطل الأمطار وتباين كميتها. وقد تعرضت المملكة  في الأيام الأخيرة الماضية لمرور سلاسل متتابعة من المنخفضات الجوية المتوسطية التي تتأثر أماكن تكونها نتيجة وجود مراكز للضغط الجوي المرتفع شبه الدائمة والموسمية عند دوائر عرض 30º- 60º شمالاً منها: المرتفع الجوي الذي يتكون فوق سيبيريا، والمرتفع الجوي الموجود -بصفة دائمة- فوق المحيط الأطلنطي ويتمركز فوق جزر الأزور. ويسبب تقابل التيارات الهوائية المختلفة الخصائص في تكوُّن المنخفضات الجوية المتوسطية، التي تتحرك من الغرب إلى الشرق بانحرافات جنوبية شرقية على طول حوض البحر المتوسط وتتعداه إلى  شبه الجزيرة العربية والمملكة، وعليه تعرضت الأجزاء الشمالية والوسطى لهطول الأمطار؛ بسبب تفاعل الرياح الغربية مع أنظمة الضغط المنخفض التي تتحرك من الغرب باتجاه الشرق من البحر الأبيض المتوسط، وبخاصة مع امتداد منخفض السودان، ومع ما تقوم به الدورة العامة للرياح بإعادة توزيع الطاقة الحرارية المكتسبة عن طريق الحركة الموجية للغلاف الجوي؛ حيث تنقل الرياح الشمالية الهواء البارد من الشمال إلى الجنوب من قمة الموجة إلى قاعها. وعندما تقع مناطق المملكة تحت تأثير قاع إحدى الموجات، مما يسبب تكرار تقدم الهواء البارد القادم من الشمال وما يصاحبه من تكاثر السحب وهطول الأمطار على شمال المملكة ووسطها.

       كما يُعد التيار النفاث دون المداري The Subtropical Jet Stream أيضا أحد الضوابط الرئيسة لمناخ المملكة؛ حيث يتذبذب موقعه شمالاً وجنوباً، فيبلغ أقصى موقع له في الجنوب خلال الشتاء فوق دائرة عرض 27º شمالاً، وأقصى موقع له في فصل الصيف فوق دائرة عرض 35º شمالاً، ونظراً لسرعة التيار النفاث واتجاهه من الغرب إلى الشرق موازيا في بعض الأحيان دوائر العرض؛ مما يسمح بتقدم الهواء البارد القادم من شمال آسيا وشمال أوروبا للجهات الشمالية والوسطى من المملكة وذلك في طبقات الجو العليا، غير أنه يصبح حاجزًا يمنع الهواء البارد الشمالي من الوصول إلى المناطق التي تقع جنوب المملكة.

خلاصة ما سبق أن المملكة إلى جانب العوامل الجغرافية الثابتة من حيث الموقع والتضاريس والمسطحات البحرية المحيطة بها، خضعت في الأيام الماضية - وبخاصة منطقة الرياض- إلى تأثير المنخفضات المتوسطية وما يصاحبها من حالة عدم استقرار في الأحوال الجوية، وازدادت هذه الحالة مع امتداد منخفض السودان الموسمي شمالاً. أما في الوسم فقد تعرضت المملكة وبخاصة منطقة مكة المكرمة لحالات من عدم الاستقرار؛ عندما امتد منخفض السودان الموسمي شمالاً جالباً معه هواء دافئًا ورطبًا قرب سطح الأرض مع دخول هواء بارد قادم من الشمال في طبقات الجو العليا، فتكونت السحب الركامية وهطلت الأمطار الغزيرة. واشتدت حدة حالة عدم الاستقرار في جدة وجنوب المدينة المنورة؛ حيث ساعدت المرتفعات على عملية رفع الهواء مما أدى إلى حدوث السيول الجارفة... يتبع

 

أ.د. محمد السيد حافظ

أستاذ المناخ التطبيقي بقسم الجغرافيا

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA