الجمعية السعودية للأدب المقارن تنظم ندوة الدراسات الثقافية للطعام

رسالة الجامعة – أريج السويلم

 

لا يقتصر الطعام على سد الجوع فحسب، بل يولد قسطًا هامًا من الأوصاف الدالة على الأحوال الإنسانية؛ إذ يوقع الإمتاع في النفس، ويضحي عند بعضهم وسيلة لردم ثغرات الجوع العاطفي أو النفسي، كما يحدث في نوبات الشراهة النفسية على سبيل المثال، ويغدو كذلك لازمًا من لوازم المشاركة الوجدانية كما يحدث في الولائم؛ فلا يمكن  تصور احتفال دون طعام، ومن ثمّ فقد اكتسب الطعام أبعادًا نفسية واجتماعية وحضارية تتجاوز وظيفته الظاهرية المقرونة بالجوع فحسب. وهذه الحمولات لفعل الطعام أفرزت - بلا ريب-  جملة من الدلالات الثقافية والاجتماعية

ضمن هذا الإطار نظمت الجمعية السعودية للأدب المقارن بالجامعة بدعم من هيئة الأدب والنشر والترجمة ندوة بعنوان الدراسات الثقافية للطعام، يوم السبت 21/ 1/ 2023  بمشاركة د.قيس الجنابي ناقد وباحث عراقي ألف أكثر من أربعين كتابًا في الأدب والتاريخ والأنساب والمطبخ العربي وصاحب كتاب «المطبخ العربي، دراسة تاريخية – فكرية في أنثروبولوجيا الطعام والجسد»، ومشاركة أ.عبدالله عثمان باحث ومحرر مصري له كتاب  «تاريخ في خزانة المطبخ» وقد أدارت الندوة أ. بثينة محمد.

الطعام من منظور ثقافي

جاء السؤال الأول للباحثين عن تعريف الطعام من منظور ثقافي وعلاقة الإنسان به، وقد استشهد الباحث عبدالله عثمان بآيات من القرآن الكريم، مفيدًا أن الطعام في هذا السياق ينقلنا إلى مستويات أعلى من مستوى الإشباع؛ حيث نرى فيها الطعام منذ بدايته الأولى بوصفه دلالة على الخالق، وعنصرًا من عناصر العالم الآخر أيضًا، مؤكدًا أن الطعام ليست غايته إشباع حاجتنا للقضاء على الجوع فحسب، وإلا لما كانت هناك حاجة لتعدد الطعوم ومذاقاتها وروائحها أيضًا، وإنما له معنى عميق أيضًا يأخذنا لجماليات العالم الذي نعيش فيه .

في حين ذكر الدكتور قيس الجنابي أن الطعام مادة الحياة سواء من الناحية الجسدية كدوره في النمو وتوفير الطاقة للإنسان، فضلًا عن الجوانب الأخرى للحياة؛ ففي المطبخ  تتجلى جوانب اجتماعية كالبخل والكرم، ويقترن الطعام بجوانب اقتصادية كالبيع والشراء، ويتصل بجوانب دينية أيضًا، ففي كل الأديان إشارات ثقافية للطعام من مثل: ماذا تأكل؟ وكيف تأكل؟ إلى جانب علاقة الطعام بأشربة معينة سواء أكانت مشروبات غذائية أم مشروبات علاجية ، فضلًا عن أهمية الطعام لإدامة الحياة البشرية مثلما يتعلق بثنائية الطعام والباه ونحوها .

التحول التاريخي في علاقة الإنسان بالطعام

ذكر الباحث عبدالله عثمان أن الطعام مر بثماني مراحل أولها مرحلة الصيد، حيث الاهتمام منصب على الإنقاذ من الجوع، ويقضي الإنسان بذلك وقتًا طويلًا في الصيد. والمرحلة الثانية تعرف بـقدحة النارأو ما يعرف بالطعام المطبوخ، والطعام في هذه المرحلة أيسر في المضغ، وتغير أسلوب الإنسان فيها وأصبح لديه وقتًا للتأمل، وحاجةً للمؤانسة والتحلق حول النار. ثم المرحلة الثالثة التي بدأت مع اكتشاف الزراعة وهي مرحلة الوفرة، وتمكن الإنسان على إثرها من الالتفات لشؤون أخرى كالبناء ونحوه. والمرحلة الرابعة مفصلية حيث اكتشف الإنسان فيها الملح. أما الخامسة فمعالجة الطعام بالتوابل. وتمكن في المرحلة السادسة من حفظ الطعام لأطول فترة ممكنة وذلك بعزله عن الهواء. أما السابعة فمرحلة التصنيع أي أن الإنسان أصبح يأكل أكلًا غير طبيعي. وفي المرحلة الثامنة جاء الطعام محملًا بقيمة مضافة، فالمادة الأولية الخام للطعام تحولت بفعل عمليات التحوير إلى أطعمة جديدة تخاطب غرائز الجمهور كالقرمشة ونحوها .

في حين يرى د. قيس الجنابي أن التحول الرئيسي في الطعام يتجلى في اكتشاف الملح؛ فالملح يمنح الأطعمة طاقة مختلفة، كما أشار إلى المرحلة الصناعية مثل صنع الجرار والقدور، واكتشاف طرائق مبتكرة لتخزين الطعام وطهوه، فاتسعت بذلك دلالات الطعام لتشمل جوانب ثقافية وسياسية، مشيرًا إلى مطابخ الخلفاء وطهاتهم وشخصيات الأكلة التي ارتبطت ببعض المجالس، فظهرت النوادر والحكايات المقترنة بمجالس الطعام، فضلًا عن الطهاة الذين امتهنوا التجسس على الخلفاء أيضًا .

الصور المجازية للطعام

وفي سؤال مديرة الندوة للضيفين عن أفضل صورة مجازية للطعام أشار الباحث عبدالله عثمان إلى أرجوزة كتبت في عهد المماليك صور فيها الشاعر حواضر السوق آنذاك وأنواع الحلوى والأجبان واللحوم المنتشرة في ذلك الوقت ، أما د. قيس الجنابي فقد ذكر أنه درس كنايات الطعام وتشبيهاته في كتابه، وأورد مثالًا طريفًا للصور المجازية «الجواري كخبر السوق والحرائر كخبز الدور»كما أشار لأمثال شعبية من اللهجة العراقية.

الطعام والجسد

وفي هذا السياق أشار د. قيس الجنابي إلى الصيام الديني واختلاف آليته ووقته في الأديان المختلفة مؤكدًا على أن الصيام الديني إنما هو لترويض الإنسان على الصبر والمشاق وضبط الجسد، كما أشار إلى الصيام المقترن عند بعضهم بالحالة النفسية السيئة حيث يمتنع الشخص عن الطعام لأسباب نفسية، أما الباحث عبدالله عثمان فاستشهد بتحليل الناقد محسن الموسوي لحكاية من حكايات ألف ليلة وليلة «حكاية عزيز وعزيزة،»، حيث المساومة على الطعام  فيما يتصل بثيمة العشق؛ فالمرأة تنتظر الفتى الذي يعجبها وتعد له مائدة معتبرة فإذا نام تأمر الخدم بإخراجه ورميه في الشارع؛ لأنه لا يستحق عشقها، ويتكرر منوال ثنائية العشق والطعام في الحكاية، والثنائية من وجهة نظر الباحث منقولة نقلًا من فكرة الصيام في الدين؛ فالصيام في معناه العميق جدا القرب لله في التخلي عن الطعام ، والقدرة على التخلي عن الطعام في الحكاية يعني صلاحية هذا العشق .

وقد خُتم اللقاء بسؤال شخصي وُجِّه لكلا الضيفين ( لماذا تأكل؟ ) لتأتي الإجابة من الباحث قيس الجنابي «لكي أبقى حيًا « في حين أجاب الباحث عبدالله عثمان « لكي أبقى حيًا ومن أجل أشياء كثيرة جدًا»

وحظي اللقاء بمداخلات ثرية نذكر منها مداخلة أ.رائدة نيروخ  الكاتبة والناقدة الأردنية التي أشارت إلى أن الطعام يعكس التراتبية الاجتماعية والجندرية أيضًا، وإن اختلف الأمر في العصر الحديث، فعلى سبيل المثال كانت هناك أطعمة لموائد الرجال تختلف عن الأطعمة المقدمة في موائد النساء، مؤكدة على الدور الاجتماعي للطعام بوصفه ناقلًا للأخبار، ومن ذلك أن إعداد لأطعمة التي تحتاج وقتًا طويلًا وجهدًا مضاعفًا يتطلب مساعدة مجموعة من النساء، وهذا يتيح نقل الأخبار والمعارف في وقت كان خروج المرأة من منزلها صعب الحدوث.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA