والدتي حرصت على أن تعلم بناتها في زمن لا تتعلم فيه النساء

د.سعاد المانع في لقاء مع ثقافية رسالة الجامعة

 

     

مذكراتي مكتوبة، وأفكر في نشرها

 

استقلت من وظيفتي في مقابل دراستي للماجستير

  

رسالة الجامعة - عبير الطلحي، أريج السويلم

 

من الثلة الأولى من فتيات الوطن اللاتي تلقين التعليم، ومن أوائل السيدات الحاصلات على شهادة عليا في المملكة، ومن رواد النقد اللغوي للأدب في العالم العربي، ومع أن التفوق قدر لها وهي قدر له، يجمع زملاؤها وتلامذتها على أنهم يصافحون تواضعًا جمًّا وخلقًا نادرًا كلما لقوا وجهها البسام .

التقت بها ثقافية رسالة الجامعة، وكان لها معها هذا الحوار :

 

طفولة غير عادية

بدأت تعليمك في فترة لم تكن فيها المرأة تتعلم عادة، بالإضافة إلى ذلك لستِ المتعلمة الوحيدة في الأسرة؛ حدثينا عن ذلك ؟

 

لم تكن هناك مدارس في تلك الفترة، لكنّ الوالدة كانت حريصةً جدًّا على أن تكون بناتها متعلمات، فألحقتنا بمدرسة أهلية ابتدائية ، وربما كان حرص أمي على تعليم بناتها سببه أنها درست إلى الصف الرابع الابتدائي، في الزبير )العراق( قبل أن يقرر جدي صالح المانع الذي كان من تجار اللؤلؤ أن ينتقل إلى قطر ، أفكانت أمي تشعر بالحرمان من التعليم  بعد انقطاع دراستها وهذا ما جعلها حريصة على أن يتعلم البنات؟ لا أدري ! وكان أبي شديد الاهتمام بالكتب، ينفق جلّ ماله عليها، ففتحتُ عيني والبيت تملؤه الكتب من مختلف الموضوعات -ومن أهمها العقيدة والفقه- وكانت الكتب ترد إليه  بالبريد  من  مكتبات مصر ،ولبنان ، والعراق. كل هذا جعلني أتصور أن القراءة والكتب أهم شيء في حياة الإنسان، وأذكر أن متعتنا الوحيدة في الصيف أنا وشقيقتي ) أ.د.عزيزة  المانع الآن( هي القراءة، ربما لعدم وجود  مغريات أخرى، فلم أكن أحب اللعب كثيرا لكني كنت مولعة بالقراءة. وربما ساورني آنذاك شيء من الغرور بأنني أفضل من قريناتي في السن اللاتي يملن إلى اللعب ، ولعل للأهل دورًا في هذا! وإن كنت فيما بعد -بعد أن تجاوزت مرحلة الطفولة- اكتشفت أن اللعب  أمر بالغ الأهمية للأطفال.

 

 

 

بدايات قلم

مع قراءاتك الكثيرة في سن مبكرة، هل كانت لك يا دكتورة كتابات حينها، أقصد كتابات إبداعية؟

في البدايات الأولى كنت أكتب قصصًا قصيرة ، وكنا نصدر )عزيزة وأنا ( مجلة منزلية، قراؤها أفراد العائلة، وبعد ذلك كتبت قصصًا قصيرة نشرتُ بعضها في صحف محلية باسم  مستعار؛ لأني كنت أظن أن أبي لن يوافق .

وألِفتُ أن أكتب مذكرات عن حياتي؛ خاصة بعد وفاة أمي المفاجئة، وكنت حينها أقرب إلى الطفولة، واستمرت هذه العادة إلى حين . محفوظة  لديّ هذه  المذكرات القديمة  إلى الآن، لم أطّلع عليها منذ  زمن ، ربما لو أعود إليها أتذكر أشياء قد نسيتها في حديثنا هذا. في فترة تالية في السنة الأخيرة من الدراسة الثانوية  أشرفت على صفحة أسبوعية في جريدة الجزيرة  تتصل بالمرأة . وبعد ذلك  أثناء عملي في الجامعة، كتبت في بعض الصحف المحلية، منها: الرياض ، والجزيرة، والوطن،  أكتب فترات ثم أنقطع ؛ لأني أفكر أحيانًا أن الكتابة  تأخذ من وقتي، وأنا يشغلني بالدرجة الأولى  التدريس إلى جانب اهتمامي بالبحث العلمي ، فأعتذر لذلك عن مواصلة الكتابة، ومن الطريف أن بعض الناس ظنوا حين انقطعت أني مُنعت من الكتابة !

 

هل كتبتِ الشعر؟

للأسف كلما حاولت كتابة الشعر أخفقت . أحب الشعر كثيرا وأتذوقه؛ وطبيعة العمل النقدي الذي أزاوله  تحتم  قراءة الشعر بعمق . لكن أوقن أنّ الشعر موهبة، إذا لم تؤتَ هذه الموهبة فاحترم نفسك ولا تكتبه.

 

رحلة الدراسة

بعد الابتدائية أين درستِ يا دكتورة؟

كانت دراستي في المتوسطة والثانوية من المنزل ، لظروف خاصة . ربما كان منها وفاة أمي!

 

هل حمّلك ذلك مسؤوليةً تجاه إخوتك؟

نعم،  هذا صحيح، لكن كنت  مع أختي شبه توأم فحملنا هذه المسؤولية معا . أذكر قبل ذلك كان يحصل بيني وأختي )أ.د. عزيزة المانع حاليا( ما يحصل بين الأخوات في الطفولة من مشادات مألوفة، وبعد وفاة أمي اتخذت قرارًا بيني وبين نفسي ألا أسمح لنفسي بأن أتمادى في أية مشادة حين يقع بيني وبين أختي خلاف.

 

بعدها دخلتِ إلى قسم اللغة العربية بجامعة الملك سعود، لماذا كان اختياركِ لقسم اللغة العربية؟

  كنت أحب الأدب العربي؛  لكن ما كنت أريد الدراسة في قسم اللغة العربية، وإنما كنت أود  الالتحاق  بقسم اللغة الإنجليزية  .كانت وجهة نظري أنه من الأفضل أن أدرس في قسم  اللغة الإنجليزية وآدابها، كي تتاح لي معرفة  أفضل  بهذا الأدب الذي لا أعرف عنه إلا بعض ما تقدمه الترجمة ، أو ما تقدمه الدراسات العربية حوله. أما الأدب العربي -وأدرك تماما أني أحبه كل الحب- فبمقدوري التزود منه  متى ما شئت.

لكن حدث أن شابة متألقة صديقة لجيراننا،قد التحقت بجامعتنا بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية . كانت هذه الشابة دوما متفوقة في دراستها إلى جانب مزاياها الأخرى، غدت صورتها لنا مثالا جميلا. عندما عرفت أننا نود الالتحاق بقسم اللغة الإنجليزية، نصحتنا بعدم الالتحاق بهذا القسم لصعوبة الدراسة فيه عن طريق الانتساب، وآنذاك ما كان متاحا للطالبات غير الانتساب. ترددنا في البدء ، لكن وجدنا الأسلم أن نأخذ بنصيحتها ؛ فكان الالتحاق بقسم اللغة العربية. ولو كانت الدراسة للبنات في الجامعة انتظامًا حينها لتخصصت في الأدب الإنجليزي.

وأذكر أن والدي كان حريصا على جلب جميع المراجع التي يرصدها الأستاذ حول مقرر ما، سواء ما كان منها أساسيا للدراسة أم ما كان ثانويا يُقصد به التوسع في المعلومات، وكان  يجلبها من مكتبات خارج  البلاد.

 

التحديات

بعد التخرج، تعينتِ في الجامعة؟

  لا، لم أُعيَّن في الجامعة. هذه لها قصة: تخرجت من القسم بأعلى تقدير في الدفعة، فرحت بهذا، وكنت معتدةً بنفسي ومتحمسةً للعمل معيدةً في الجامعة، فهذا سيتيح لي مواصلة الدراسات العليا؛ لكن المفاجأة كانت أن رُفض طلبي لعدم وجود شاغر نسائي، شعرت بالإحباط ، وبذلتُ أكثر من محاولة ليتمَّ قبولي معيدة ، لكن لم تنجح أي من هذه  المحاولات .اتصلت بكثير من المسؤولين  في هذا الصدد ، وقد وصلت المحاولات إلى الاتصال بمدير الجامعة نفسه آنذاك   الدكتور عبد العزيز الخويطر رحمه الله ،  فقال لي بهدوء: « إنه من صالحك أن تستفيدي من هذا الوقت  الذي لا توجد فيه  وظيفة في أن تزيدي من القراءة في مجالات كثيرة   لتتسع  معلوماتك»،  كلامه صحيح لا ريب في هذا؛ لكني شعرت بالإحباط! ثم عُيِّنت بعد شهور مدرِّسة في الرئاسة العامة لتعليم البنات،  وبعدها جاءني قبول من الجامعة لأكون معيدة، لكن الرئاسة  رفضت أن أنتقل منها إلى الجامعة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى مدرسة ثانوية، وبعدها بفترة جاء قرار بتعييني معيدةً في كلية التربية التابعة للرئاسة، فعملت فيها ثلاثة شهور، بعدها جاءني قبول من جامعة القاهرة لدراسة الماجستير  في قسم اللغة العربية بكلية الآداب .

ثم انتقلت إلى الدراسة في القاهرة ؟

لم يكن الأمر ميسورا !  كانت أمامي عقبتان: الأولى: موافقة الوالد المحافظ جدًا، والثانية: موافقة جهة العمل، وهي كلية التربية التابعة للرئاسة العامة لتعليم البنات، وكان من الواضح جدا أن الرئاسة  لن توافق إطلاقا على ابتعاث المعيدات، ولن تقبل أن تعطيني إجازةً لأدرس. لذا قررت أن أقدم استقالتي من العمل  في الكلية.                                                

    

  قرار شجاع بصراحة يا دكتورة، هل ترين الآن أنه كان قرارًا صائبا؟

من وجهة نظري نعم، كان قراراً مدروسًا، كنت أحب كلية التربية وسعيدة مع الزميلات جدا، لكن كانت الرغبة في إكمال الدراسة في جامعة عريقة  تهيمن عليّ .

 

محطة مصر

ذهبتِ الآن إلى المجتمع الذي كنتِ تقرئين عنه، فما انطباعك؟

أذكر جامعة القاهرة، وانبهاري بمساحة مبناها الضخم ، وتعدد الكليات فيها في ساحات متباعدة ) الحقوق ، والتجارة  والآداب … (. كانت كلية الآداب في طرازها المعماري ، ومبناها القوي  وإن كان قديما ،شبيهة بمباني الجامعات القديمة  في أوروبا والولايات المتحدة  )التي عرفتها  بعد حين ( .أذكر حينها كان د.جابر عصفور -رحمه الله-  هو سكرتير القسم، وكانت أستاذتي د. سَهير القلماوي تخصص يوما واحدا في الأسبوع  للقاء الطلاب والطالبات . وكنت أحرص على حضور هذا اليوم حتى لو لم يكن عندي شيء أقدمه. كنت أستمتع بالنقاش الذي يدور حول موضوعات شتى بين الأساتذة، ومن أبرزهم:  عبد المحسن طه بدر ، وعبد المنعم تليمة . موضوعات النقاش غالبا تتناول أمورا مهمة وجوهرية منها السياسة.

ومن أبرز الشخصيات التي أتذكر أنها جاءت إلى القسم جيهان السادات ) زوجة الرئيس أنور السادات (، وقد قررتْ أن تلتحق بقسم اللغة العربية . ويغلب على الظن أن التحاق جيهان السادات بهذا القسم لتدرسَ فيه كان من أجل استمالة الأساتذة المعارضين في كلية الآداب،  وقد اختارت أن تشرف عليها أستاذتي الدكتورة  سهير القلماوي،  ذات المكانة  المهيبة؛ لكونها  -في حدود ما أعلم- لا تنتمي لأي اتجاه  سياسي . كل هذا أتاح لي الاطلاع على جوانب كثيرة من الاهتمامات الأدبية و السياسية في هذا القسم ، وأتاح لي معرفة كيف  يتفاوت الأساتذة  في مواقفهم  من الأحداث. أما  بقية أيام الأسبوع غير الأحد فأمضيها عادة في مكتبة جامعة القاهرة من أجل البحث. ولقد استفدت كثيرا جدا من هذه المكتبة!

 

رسالتك في الماجستير «سيفيات المتنبي، دراسة في الاستخدام اللغوي»، ألم يكن التوجه إلى النقد اللغوي في ذلك الوقت جديدًا؟

  حقا  كان كذلك،  لم أفكر فيه  قبل اللقاء مع أستاذتي، فعند انتهاء السنة التمهيدية  استشرتها عن الموضوع الذي يمكن أن أبحث فيه ، اقترحت  عليّ هذا الموضوع الذي يتصل  بكيفية استخدام الشعراء للغة . كان هذا المنهج آنذاك جديدا في اللغة الإنجليزية، وحدثتني  عن مؤلف إنجليزي طبقه على بعض الشعراء  الإنجليز،  وأطلعتني على كتاب باللغة الإنجليزية. كانت معرفتي بالإنجليزية لا تمكّنني من القراءة إلا بصعوبة بالغة وإنفاق زمن طويل، عشرات الكلمات في الصفحة الواحدة تحتاج إلى مراجعة القاموس؛ لكن هذا الاقتراح وافق رغبتي في أن أدرس شيئا جديدا وليس مكررا  فقبلت الاقتراح . فكرة الموضوع تتصل بمعرفة  الصلة بين اللغة والأسلوب الأدبي، وأن  اللغة الشعرية لشاعر ما يمكن أن تتميز  بسمات خاصة  يمكن التوصل إليها من خلال إحصاء الألفاظ والتراكيب التي يستعملها في  قصائده  في سياقات مختلفة، وملاحظة كيفية استخدامه لها .

وفي ذلك الوقت كانت بدايات ظهور الكمبيوتر، فلم ينتشر استخدامه بعد، وكانت فكرة بحثي أسلوبيةً إحصائية، كان الإحصاء يتم بطريقة يدوية عن طريق البطاقات. وكانت مشرفتي  تحيلني إلى أساتذة آخرين، عندما أحتاج إلى معلومات خارج منطقة تخصصها، فأذكر مثلا  أنها كانت تحيلني إلى د. محمود حجازي، وهو متخصص في اللسانيات كان عائدًا لتوه من ألمانيا، وكانت شخصيته ممتازة رحمة الله عليه.

 

ميشيغان أو هارفرد ؟

عدتِ من مصر إلى الرياض، ووظيفتك في كلية التربية لم تعد موجودة، فماذا حصل بعدها؟

صدر قرار تعييني في كلية الآداب بجامعة الملك سعود قبيل عودتي من دراسة  الماجستير، و بمجرد العودة  إلى الرياض  عملت  محاضرة في الجامعة. كم كان بهيجا هذا!  تحقق أخيرا ما كان مفروضا أن يحدث بصورة طبيعية بمجرد تخرجي من القسم. عملت  في مركز الدراسات الجامعية للبنات بعليشة، ومعظم الأستاذات كنّ من الأخوات العربيات، أما  السعوديات فقليلات جدا ، معظمهن يحملن درجة البكالوريوس ، يحضر في ذهني الآن بعض الأسماء )مع حفظ الألقاب(: آمنة عقاد ، وخيرية السقاف، ونوال السقاف ، و وديعة وفا ...ومازلن حتى اليوم صديقات، وإن كان بعد المسافات ومشاغل الحياة  يحول أحيانا دون التواصل.

 

 

بعد الماجستير، كم مكثت قبل دراسة الدكتوراه؟

مكثت عامين أعمل محاضرة  في قسم اللغة العربية قبل أن يصدر قرار ابتعاثي  لدراسة الدكتوراه، كنت مبتهجة بالعمل ، أحب التدريس وأحب الطالبات والزميلات؛ لكن التفكير في مواصلة الدراسة للحصول  على درجة الدكتوراه  مازال يشغل ذهني . كنت سجلت بعد الانتهاء من دراسة الماجستير في جامعة القاهرة موضوعا لرسالة الدكتوراه يتصل بجانب من شعر المعرّي وكيفية الاستخدام اللغوي عنده، كنت أفكر أن أدرس شعر المعري على غرار ما فعلت بشعر المتنبي، وكنت أمضي غالب وقتي بعد انتهاء العمل في القراءة في شعر أبي العلاء ورصد الكلمات عنده وكيفية استعمالها في سياقات مختلفة. وفي تلك الآونة كانت أختي تدرس مع زوجها في  الولايات المتحدة في (آن أربر)ِAnn Arbor،  وهي المدينة التي  توجد فيها جامعة ميشيغان،  The University of  Michigan، فاقترحت علي أن أدرس الدكتوراه في إحدى جامعات الولايات المتحدة بدلا من دراستها في القاهرة، ترددت كثيرا! كانت هناك ميزات كثيرة في قبول الاقتراح، ليس أقلها اكتشاف طرق الدراسة في عالم متطور، والتعامل مع جامعات كبرى، فأقسام  دراسات الشرق الأوسط  هناك لا تكون إلا في جامعات  كبرى.

أما  الجانب السلبي  بالنسبة إلي  فيتمثل في أني عرفت أن  دراسة  الدكتوراه في هذه الأقسام تستغرق زمنا طويلا، إذ تُشترط  في دراسة الدكتوراه أن يدرس  الطالب عددا من المقررات المتصلة بالموضوع الذي ينوي دراسته وهذا قد يستغرق عامين ، كما تشترط التمكن من القراءة بثلاث لغات أجنبية -  لغتين أوروبيتين ولغة شرقية –  لا يعد ضمنها لغة الطالب  ولا لغة الدراسة،  ثم التقدم للامتحان الشامل، كل هذا قبل أن يبدأ البحث في موضوعه.

 

 

ماذا أضافت لك الدراسة في أمريكا، البعض يقول: لا حاجة إلى دراسة الأدب العربي في الخارج، هذا أدبنا ونحن أعرف به، فما رأيك في ذلك؟

أحب أن أوضح أولا  أني ذهبت إلى هناك وأنا أحمل درجة الماجستير من جامعة القاهرة، فلم أكن مبتدئةً في الدراسة، ولم أذهب لأتعلم كيف أقرأ الأدب العربي. وما يُستفاد من الدراسة هناك أشياء كثيرة،  لعل  من أهمها  :

سعة الأفق، فعندما يطّلع أي دارس جاد على وجهات نظر أخرى حول أدبنا -سواء القديم منه أم الحديث، وسواء كانت إيجابية أم سلبية-  يبدو له هذا الأدب كما لو كان  أدبًا جديدًا يقرؤه للمرة الأولى، هذا يجعل الدارس  يتعمق في رؤيته لهذا الأدب، و يعيد النظر إليه من كافة الزوايا وليس من زاوية واحدة، ومن المزايا كذلك حرية الباحث العلمية، إذ يمكن للباحث أن يطرح رأيا يخالف رأي المشرف أو غيره من الباحثين؛ لكن لا بد أن يكون قادرا على دعم رأيه بأدلة منطقية قوية.

  بالنسبة إلي أرى أن الدراسة في جامعة متميزة في الولايات المتحدة مثل جامعة ميشيغان أضافت إلي الكثير، فقد أضافت إلى معلوماتي الاطلاع على نواحٍ تتصل بآداب أمم أخرى لا تدرس في أقسام الأدب العربي في جامعاتنا.   

 

كيف تجاوزتِ حاجز اللغة؟

كنت أقرأ قليلاً بالإنجليزية عندما التحقت بالجامعة، واللغة كما هو معروف لها أكثر من مستوى؛كان مستوى  القدرة في القراءة  والفهم  والكتابة لديَّ  أعلى  من مستوى القدرة على سماع اللغة و التحدث بها . لذا عندما دخلت معهد اللغة هناك، كان التقدير في امتحان تحديد المستوى يؤهلني لأن أكون في أعلى مرحلة في هذا المعهد . وهذا مدته فصل دراسي واحد، وفي الواقع فصل دراسي واحد لا يكفي لحل مشكلة القدرة على التخاطب . لذا عندما انتهيت من المعهد ظلت مشكلة اللغة في التخاطب موجودة، وكان عليّ من أجل حل هذه المشكلة أن أتردد على كافتيريا الجامعة أو المكتبة؛ كي أتحدث مع أي طالبة أو طالب كلما وجدت الأمر متاحا. و سمح بعض الأساتذة باستعمال التسجيل، فكنت أحمل آلة تسجيل صغيرة جدا، وحين أعود إلى البيت  أستمع إلى  المحاضرة ثانية، وقد أفادني هذا إلى حد ما في التغلب على مشكلة الاستماع؛ لكن أين يوجد الوقت الكافي لمعاودة سماع جميع ‏الدروس.طبعًا يظلّ بعد ذلك حاجز الغربة الذي لا ريب كان يخففه وجود أختي وعائلتها هناك.

عندما جئت إلى الولايات المتحدة كان عندي قبول من جامعة نيويورك،  وبعد ذلك بأقل من عام حصلت على قبول من جامعة هارفارد، لكن  وجدتني أفضّل البقاء في جامعة ميشيغان.

 

ما موضوع رسالة الدكتوراه؟

عنوان الرسالة باللغة الإنجليزية :

Poetic Necessity from the Perspective

of the Medieval Arab Critics and Rhetoricians

«الضرورات الشعرية من وجهة نظر البلاغيين والنقاد العرب في القرون الوسطى» . وموضوعها يتصل بالبحث حول ما يعرف بالضرورات الشعرية وكيف كانت نظرة النقاد والبلاغيين العرب إليها. كانت النظرة ليست واحدة، فبعضهم يرى أن الشاعر ضاقت عليه اللغة فاضطر رغما عنه إلى استعمال كلمات أو صيغ تخالف المألوف، ومعروفة  العبارة المشهورة التي تقول  «يجوز للشاعر مالا يجوز لغيره» . وبعضهم لا يرى هذا ! وإنما يرى أن الشاعر نفسه اختار عامدا أن يقول شيئا يخالف المألوف في اللغة، ليس بقصد المخالفة، وإنما لأنه يرى أن هذه الكلمة أو الصيغة التي اختارها هي وحدها ما يعبر  تماما عما يريد التعبير عنه . فالضرورة عندهم تعني رغبة الشاعر في أن يعبر عن شيء ما بطريقة محددة يريدها، ولا يتأتى له التعبير  عنها إلا من خلال مخالفة السائد في  قواعد اللغة ! ومعروفة كثرة الانتقادات التي وُجِّهت إلى الشاعرين العظيمين أبي تمام والمتنبي  مع أن كلًّا منهما مشهود له بسعة الاطلاع  على اللغة .

 

 

العودة من أمريكا، قيادة العمل ..  قيادة السيارة

بعد ذلك عدتِ من أمريكا وأصبحتِ أستاذًا مساعدًا في الجامعة ؟

نعم، عدت، وبعد شهرين أو أقل من عودتي عُيِّنت وكيلةً لقسم اللغة العربية، وقضيت في الوكالة 5 سنوات، ثم عُيِّنت  وكيلةً لكلية الدراسات العليا .

 

 

ـ كثير من العقبات في طريق المرأة زالت، فما الذي ينقص المرأة السعودية اليوم لتقوم بدورها على أكمل وجه في مسيرة الوطن؟

بالنسبة إلى القوانين الرسمية واضح أنها أتاحت للمرأة الآن فرصًا لم تكن تحلم بها أجيال سابقة من النساء عندنا. من كان يظن أن المرأة عندنا ستكون سفيرة  ،أو مديرة جامعة ، أوعضو مجلس شورى ! فالمرأة -من خلال نماذج النساء اللاتي أنيطت بهن مسؤوليات في المملكة- أثبتت أنها قادرة على حمل المسؤولية.

 

ـ ماذا عن تجربة التدريس في هارفارد؟

كانت تجربة مفيدة للاطلاع على نظم مختلفة في الجامعات. ذهبت إلى هارفارد أولاً في فترة تفرغ علمي، وبعد ذلك ذهبتُ أستاذًا زائرًا لمدة فصل دراسي. أذكر أن من النواحي الإدارية التي بدت غريبة عليّ هناك أنه لا توجد اجتماعات لمجلس القسم، وإنما اجتماع للكلية يُعقد في الشهر مرة واحدة، يناقش القضايا المهمة المتصلة بالكلية ، ويمكن أن يحضره أعضاء هيئة التدريس ، فكنت أحضر من أجل الاطلاع .  كانت آنذاك )2008م( مديرة جامعة هارفارد امرأة،  وكان الأمر جديدا بالنسبة إليهم، و ما خطر ببالي أني سأرى بعدها  المرأة في بلادي  تحتل منصب مديرة جامعة !

من التجارب التي أثرتني في هارفارد  مكتبة الجامعة الضخمة،  وقد أعارني أحد الأساتذة  غرفة مكتبه فيها لأن عنده غرفة مكتب في مبنى آخر، وهذا أفادني  جدا في الاحتفاظ بالكتب المستعارة من المكتبة دون الاضطرار إلى نقلها إلى السكن . أفادتني المحاضرات العامة التي  تقام بين حين وآخر  في أماكن مختلفة من الجامعة،  والمحاضرات الأسبوعية التي كان يلقيها متحدثون من داخل الجامعة أو أساتذة زائرون من خارج الجامعة، وأحياناً من خارج  الولايات المتحدة سواء كان ذلك في قسم دراسات الشرق الأوسط أم في غيره من الأقسام.

 

ـ ما الذي ينقص جامعة الملك سعود حتى تكون مثل هارفارد؟

هذا سؤال تصعب الإجابة عليه إجابة أطمئن إلى صحتها تماما؛ لكن يمكن التفكير في الأهداف التي نتطلع إليها من جامعتنا -وهي جامعة ضخمة متعددة الكليات- هل الغاية منها الاستجابة لسوق العمل؟  أم الغاية الاهتمام بالبحث العلمي في كافة نواحيه؟ لكلتا الناحيتين أهميتهما بطبيعة الحال؛ لكن لا ريب أن البحث العلمي أيا كان مجاله يحتاج إلى نفقات باهظة ،كما يحتاج إلى مجهود بشري يتسم بالذكاء والإخلاص في العمل .

 

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA