فريق بحثي يكتشف التركيب الجزئي لحليب النمل

 

 

رسالة الجامعة ـ التحرير:

لقد ظهر النمل على كوكب الأرض من أسلاف تابعة للدبابير، وذلك في العصر الطباشيري قبل أكثر من 100 مليون عام، ويعتبر النمل من الحشرات الاجتماعية التابعة لفصيلة Formicidae  المدرجة مع النحل والدبابير تحت رتبة غشائيات الأجنحة Hymenoptera. وهناك ما يقارب من 15,000 نوع من إجمالي يقدر بـ 30,000 نوع.

حيث أكد الأستاذ الدكتور عبد الرحمن بن سعد الداود، والأستاذ الدكتور مصطفى شرف من قسم وقاية النبات  بكلية علوم الأغذية والزراعة، في دراسة علمية أُجريت على مستعمرات النمل ودورة حياة النملة.

حيث يشكّل أفراد النمل مستعمرات يتراوح حجمها من بضع عشرات من الأفراد إلى مستعمرات معقدة التنظيم تمتد على مساحات واسعة من الأرض تضم ملايين الأفراد. ويعيش النمل في مستعمرات تضم أشكالاً مختلفة من الأفراد ذات وظائف محددة، فهناك الشغالات، وهنّ إناث عقيمات يقمن بكل أعمال المستعمرة اليومية من جمع للغذاء، والعناية باليرقات (شكل 1)، وتنظيف العذارى، وحفر الأنفاق، والاهتمام بالملكة (شكل 3)، وهناك الجنود، وهم أفراد يتميزون ببنان قوية مزودة بفكوك مصممة بشكل قوي للدفاع عن المستعمرة ضد أي غزو محتمل من المفترسات، وهناك الملكة، وهي طور مجنح وأم لكلّ أفراد المستعمرة، وتتمحور وظيفتها في وضع البيض، وتحديد أعداد الشغالات، والجنود، والملكات والذكور وتوجيه الأوامر لكل أفراد المستعمرة، وأخيراً الذكور، وهم أفراد مجنحة -أيضاً- تقتصر وظيفتها على تلقيح الملكات البكر وقت التزاوج.

لقد نجح النمل في غزو أغلب البيئات على سطح الأرض عدا القارة القطبية الجنوبية؛ حيث ازدهرت أنواع النمل في كافة الأنظمة البيئية من الصحاري القاحلة إلى الغابات الاستوائية، ومن أعالي الأشجار إلى الكهوف في باطن الأرض، ومن أعالي الجبال إلى المنخفضات، وقد وجد العلماء أن الكتلة الحيوية لكل أنواع النمل Biomass على الكوكب تفوق مثيلتها للطيور والثدييات البرية مجتمعة ؛ ولعل هذا النجاح البيئي الملحوظ يُعزى إلى الحياة الاجتماعية التي تتميز بها أنواع النمل، إضافة إلى تقسيم العمل، أو بتعبير آخر توزيع المهام Division of labors ، علاوة على قدرتهم الكبيرة على الاستفادة من الموائل (البيئات) المتاحة، بل وتعديلها في كثير من الأحيان. 

تبدأ دورة الحياة في النمل بتلقيح الملكة من خلال طيران الزواج، حيث تُلقّح الملكة من ذكر أو أكثر، وبعدها تقوم بتخزين الحيوانات المنوية في كيس ملحق بالجهاز التناسلي، ومن ثم تصبح الملكة قادرة على تحديد جنس الفرد، فالشغالات والملكات والجنود هم نِتاج بويضات مخصبة بحيوانات منوية، يطلق عليهم ثنائي المجموعة الصبغية  Diploids، بينما الذكور هم نِتاج بويضات غير ملقحة؛ لذا فهم جميعاً أحادي المجموعة الصبغية Haploids. هذا ويتطور النمل من خلال التحول الكامل Complete Metamorphosis من بيضة إلى يرقة ثم عذراء التي بدورها تتحول إلى نملة بالغة. أما اليرقة فهي طور غير متحرك في معظم الحالات، ويتم إطعامها ورعايتها من قبل الشغالات عن طريق الفم، في ظاهرة تسمى علمياً «التغذية  الفموية» Trophalaxis ، وهي عملية يقوم فيها النمل بإخراج الطعام السائل الموجود في حوصلته، وهي ذاتها نفس الطريقة التي تتشارك بها الشغالات البالغات الطعام المخزن في «المعدة الاجتماعية». وتمر اليرقات بمجموعة من أربع أو خمس انسلاخات، بعدها تدخل مرحلة العذراء (الخادرة). تحتوي العذراء على زوائد حرة، وليست مندمجة في الجسم (كما في عذارى الفراشات). هذا وتحتاج اليرقات والعذارى إلى البقاء في درجات حرارة محددة إلى حد ما، لضمان التطور السليم، وغالبًا ما تقوم الشغالات بنقل هذه الأفراد بين غرف الحضانة المختلفة داخل المستعمرة.

لطالما ساد الاعتقاد بين علماء النمل بأن العذارى في مستعمرات النمل ليس لهن أي دور اجتماعي، فالعذارى مجرد أطوار انتقالية ساكنة بين طوري اليرقة والنملة الكاملة، إلا أن الدراسات الحديثة التي أجريت على دورات الحياة في العديد من أنواع النمل، التي نشرت في مجلة Nature في 30 من نوفمبر ، توصلت وللمرة الأولى إلى أن العذارى تفرز سائلاً له قيمة غذائية عالية تتغذى عليه كلّ من اليرقات والشغالات، وتم تشبيهه من قبل الباحثين أنفسهم بالحليب في عالم الثدييات؛ ولكن هذه التسمية ليست دقيقة بالقدر الكافي، حيث إنه مجرد سائل أو إفراز من مؤخرة بطن العذارى. ومن خلال هذا البحث، وجد الباحثون أن اليرقات حديثة الفقس تعتمد على هذا السائل في النمو والبقاء على قيد الحياة، على غرار الطريقة التي يعتمد بها حديثو الولادة في عالم الثدييات على الحليب، وهذا هو وجه التشابه الوحيد بينهما. أما في حالة ما إذا لم تستهلك الشغالات واليرقات السائل فإنه يتراكم على جسد العذارى ومن ثم يصبح ملوثًا بالفطريات التي غالباً ما تقتل العذارى. ويشير الباحثون في جامعة روكفلر في مدينة نيويورك بأن هذه العملية الاجتماعية بين أفراد المستعمرة تشكل آلية لتوحيدها، وذلك من خلال ربط النمل عبر مراحل النمو المختلفة للشغالات واليرقات والعذارى في كيان متماسك.

ولمزيد من التفصيل، ومن خلال حقن صبغة طعام زرقاء في العذارى وتتبع المكان الذي انتهت إليه هذه السوائل في المستعمرة، لاحظ الباحثون أن شغالات النمل يشربن السائل أثناء إفرازه، ويساعدن اليرقات على شربه عن طريق حملهم إلى الشرانق. وهذا السلوك يمنع تراكم السائل على أجساد العذارى وبالتالي تلافي الأضرار التي تحدث نتيجة لذلك، التي قد تصل للموت.

اختبر الفريق البحثي التركيب الجزيئي لهذا السائل، وتبين أنه يحتوي على 185 بروتينًا خاصًّا به، بالإضافة إلى أكثر من 100 مركب مختلف من الأحماض الأمينية، التي تشمل الهرمونات والسكريات والفيتامينات. وتشير المركبات التي تم تحديدها إلى أن السائل مشتق من سوائل الانسلاخ، التي يتم إنتاجها عندما تقوم اليرقات بإلقاء بشرتها الخارجية أثناء تطورها إلى خادرة. ويوضح أحد الباحثين الذين قاموا بالدراسة إلى أن هذه العملية تعد بمثابة عملية إعادة تدوير -أي تدوير للمخلفات- انتهازية يقوم بها النمل داخل المستعمرة!

إن هذه الدراسة توضح لنا وبشكل جلي بأن العلم لا يزال أمامه طريق طويل لاكتشاف بديع خلق الله، وما  يعتقده الإنسان من أن هذا العلم قُتِل بحثا يكتشف أن الصواب قد جانبه، وعليه أن يعيد البحث من البداية. وصدق الله في كتابه «وَيَسأَلونَكَ عَنِ الرّوحِ قُلِ الرّوحُ مِن أَمرِ رَبّي وَما أوتيتُم مِنَ العِلمِ إِلّا قَليلًا» الإسراء 85 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA