هل دورات الكتابة الإبداعية تصنع كاتبًا؟

ثقافية رسالة الجامعة تسأل:

 

رسالة الجامعة ـ أريج السويلم:

تجيب د. بدور بنت محمد الفصّام أستاذ الأدب والنقد المساعد بقسم اللغة العربية وآدابها والمدربة في مهارات الحديث والكتابة قائلة:

لا يمكن لأي دورة تدريبية مهما بلغ عدد ساعاتها أن تعطيك الخبرة الكافية لممارسة مهارة ما، لكنها وحسب معطيات معينة، تتعلق بخبرة المدرب واستعداد المتدربين وغيرها، قد تعطيك الدورات المفاتيح الأولى لإتقان المهارة.

في دورات الكتابة الإبداعية لا بد أن يكون المتدرب مهتمًا بالكتابة، وممارسًا إيّاها، ويملك قدرًا لا بأس به من الإلمام بقوانينها ومعاييرها، أي أن يكون موهوبًا، أو على أقل تقديرٍ أن يكون قادرًا، وقد جرب أن يكتب سابقًا بأي شكل من الأشكال، حتى وإن كانت الكتابة موهبة قديمة تجاهلها أو انشغل عنها لأي سبب، فيمكن للدورة التدريبية في الكتابة الإبداعية أن تكون هي الشعلة التي تضيء للكاتب الطريق مرة أخرى، أو هي مثل العلامات التي تهديه للمضي قدمًا في رحلة الكتابة.

هذا فيما له علاقة بمن كانت في جعبته مَلَكَةٌ. أما من كان هاويًا أو جرّته نزعة الناس إلى الدخول حيث شاعت الكتابة الإبداعية في الأوساط، فهو بين مطرقة وسندان: هل تنجح الدورة التدريبية في جعله كاتبًا بارعًا، أو يتخذ أسلوب الهجوم الشرس في نعت الدورات بالفشل وأنها لا طائل منها، وأن أصحابها جشعون همهم المال أولًا وأخيرًا؟ في هذه الحالة، لا بد أن يعي الشخص ويعرف أن التدريب بوابة يعبر خلالها المتدرب، وفي ضوء مسارها يتغذى ويتطور ويقرأ ويبني. وليست الدورات إكسيرًا يخرج منها الإنسان ذهبًا بعد أن كان صفرًا، وهنا يظهر الفرق بين ردّات فعل من ظن أن الدوراتِ غذاءٌ متكاملٌ، فيندب حظه، وبين من يراها فاتِحاتٍ للوصول إلى طرق أعقد، يعِدُ فيها نفسه أن يعبر دروبها مسلحًا بالصبر والجلد والمثابرة.

إن موهبة الكتابة بما فيها من صعوبة ومعاناة وحبس من جهة، وخلق وجودة وتدفق من جهة أخرى، تحتاج إلى عمليات تنفس تحييها وتبث فيها روح الاستمرارية والالتزام، خصوصًا إذا كانت صنعة ذات هدف، بمعنى أنها موهبة قد تخلق لك فرصًا وظيفية ودخلًا ماديًا في جهات ومؤسسات وشركات تطلب كُتّابًا في مجالات كتابة المحتوى الإبداعي، وهي كثيرة، وتعاني فقرًا شديدًا في هذا الجانب. وبناء على ذلك، ينبغي للكاتب أن يطور أدواته ويصقلها وينميها وينعشها بالقراءة والتعلم ومجتمعات الكتابة والدورات المتخصصة في الكتابة الإبداعية؛ كي يكون أهلًا لمهن تتطلب كتابة إبداعية احترافية لها أدواتها ومعاييرها، وهذا الشكل من التعلم يساعد على تبديد العوائق وتسهيلها أمام الكاتب، ويجعل من الكتابة صنعة حقيقية تتجاوز عبقرية الموهبة إلى آفاق الاحترافية والتمكن.

ولم تعد الكتابة الإبداعية أسيرة للكتب المطبوعة في شكل أجناس أدبية عرفناها منذ زمن، كالقصة والرواية والشعر وغيره، فمجالات الكتابة الإبداعية اتسعت خارج هذه النطاقات في صور كثيرة منها: كتابة سيناريو الأفلام، والبرامج المصورة والمسموعة، ومحتوى منصات التواصل الاجتماعي، والكتابة التسويقية والإعلانية، وتدوين محتوى المواقع والمنشورات، وغيرها الكثير. ومثل هذا النوع من الكتابة، يحتاج إلى كفاءة عالية، وتقنيات مدروسة تحسن المنتج الكتابي؛ ليناسب تطلعات العميل أو الجمهور، وتصل إلى الهدف المنشود في الانتشار والتأثير.

وفي هذا السياق، سبق أن قدمتُ دورة تدريبية في الكتابة الإبداعية عدة مرات لمجموعة من الموهوبات والمهتمات في الكتابة من طالبات جامعة الملك سعود، والدورة مبنية في أساسها على مفاتيح وطرائق من كتاب مهم جدّا لكل كاتب هو: « أدوات الكتابة 49 إستراتيجية ضرورية لكل كاتب» لروي بيتر كلارك، ومن إصدار الدار العربية للعلوم ناشرون 2017م، ووفقًا للتقييم البعدي والمخرجات، فقد أثبتت هذه الدورة فعاليتها في تعليم الكاتبات بعض الأدوات التي تعين على احترافية الكتابة وبراعتها، هذه الأدوات، كما ورد في الكتاب، جُمعت من نصوص وأعمال عظيمة في الكتابة وصناعتها، ومن حوارات خصبة لمحررين محترفين لهم خبرة طويلة في خلق القصص واستنباط المعاني، ثم من معلمي الكتابة الذين اختبروا عملية الكتابة ودرسوها لتلاميذهم بوصفها صنعة لها خطواتها وعاداتها وأدواتها وإستراتيجياتها، ثم إن هذه الأدوات وسائل عامة ومرنة يستطيع أي كاتب أن يستعملها، فهي خارج حدود الحكم بالصواب والخطأ، لكن استعمالها يفترض أن يحقق للكاتب منفعة ما تتعلق بجودة المكتوب وتحسينه وتنميته، وهي مدرجة في أربعة مستويات:

- إستراتيجيات أولية لكتابة الكلمة والجملة والفقرة.

- مؤثرات خاصة للإيجاز والوضوح والأصالة والإقناع.

- مخططات وطرق تنظيم للبناء النصي.

- عادات يومية ونصائح مفيدة لإنتاج كتابي جيد.

وفي الدورة التدريبة التي قدمتها في الكتابة الإبداعية اخترت عشر إستراتيجيات بسيطة يمكن تعلمها وتطبيقها في حدود الوقت المتاح، وحين تعرفن عليها المتدربات، وعلى فرص تطبيقها لكتابة نص ما، أو حتى لتجويد نص سابق، ثم جربنها، عبرن عن حاجتهن لمثل هذه الأدوات والأفكار والدروس لمواجهة ما يمكن أن يعتري عملية الكتابة من صعوبة وعناء وتوقف؛ لأن هذه الأدوات تجعل من الكاتب أكثر يقظة وانتباهًا ووعيًا لصنعة الكتابة وقوتها وسحرها.

ومن هنا، فالدورات التدريبية في الكتابة الإبداعية لا تخلق كاتبًا من عدم، لكنها قد تقوي الكاتب وتدعمه وتمنحه الثقة والحركة والضبط والإرشاد.

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA