وطني بين الذهب والتراب

 
 
 يُحكى أن رجلا هرما اشتد به المرض، فدعا ولديه، وقال لهما:  يا ولدي، لقد تركتُ لكما أرضا وكيسا من الذهبِ، فليختر كل منكما ما يشاء، فاختار الابن الأصغر الذهب، وقال الأكبر  أنا آخذ الأرض، ومات الأب بعد أيام، وبدأ الولد الأكبر يعمل في الأرض، يزرعها موسما بعد موسم، وتزداد ثروته كل يوم، أما الولد الأصغر فقد أخذ ينفق من الذهب يوما بعد يوم حتى انتهى الذهب، فمضى إلى أخيه وهو محزون وقال: لقد نفد الذهب الذي أخذته، عندها أخرج الأخ الأكبر كيسا من الذهب، وقال: تراب الأرض أعطاني هذا الذهب، فرد الأخ الأصغر ساخرا: وهل يعطي التراب ذهبا؟! غضب أخوه، وقال: الخبز الذي تأكله من تراب الأرض، والثوب الذي تلبسه من تراب الأرض، والثمار الحلوة من ترابِ الأرض، والأزهار العاطرة من تراب الأرض، ودماء عروقك من ترابِ الأرض، إذا ذهب الذهب فالأرض باقية، هتفَ الأخُ الأصغرُ: يا أرضنا الكريمة، يا منبع العطاء، يا أمنا الحبيبة، نفديكِ بالدماء.
 
الأرض هي الكنز الباقي، تتمثل في الوطن، وتتجسد في كرامته وعزته ومجده وشرفه، فحب الوطن من الإيمان, قال تشرشل: "الوطن شجرة طيبة لا تنمو إلا في تربة التضحيات وتسقى بالعرق والدم".
تأكد بأنه لا يوجد مكان في العالم تعتز فيه كالوطن، ولن تعرف قيمته إلا عند مغادرته حتى لو كان للفسحة والنزهة، لن تجد في عالم البشر شخصا يتآمر على وطنه ويحرص على تشويهه وخيانته إلا من كان في عقله لوثة وجُمع الشر في نفسه، ولن تجد بحقه وصفا أبلغ من وصف نابليون حين قال: "مثل الذي خان بلاده، وخان وطنه، مثل الذي يسرق من بيت أبيه ليطعم اللصوص، فلا أبوه يسامحه، ولا اللص يكافئه".
يكفي أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال في أعظم بقاع الأرض وأطهرها مكة: "و الله إنك لأحب البلاد إليّ، و لولا أن أهلك أخرجوني ما خرجت"، وضرب لنا أروع الأمثال في حب الوطن وعشقه والتضحية في سبيله عندما قال: "من مات دون أرضه فهو شهيد". 
ألا يحق لنا أن نفخر بوطن جمع بين مميزات عظيمة فهو أصل العرب ولغته وقبلة العالم الإسلامي وبها نزل القرآن.
 
ومن لا عصبة له فلا ألفة له.. 
 
 
محمد بن مساعد العصيمي التميمي
0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA