الذكاء الاصطناعي والعلاج النفسي

 

 

يمر عالم اليوم بمرحلة هامة من تاريخه العلمي والتكنولوجي، ويشهد تغييرات جذرية في كثير من المجالات التي سادت لفترة زمنية طويلة بعد التطورات المتسارعة في تكنولوجيا الكمبيوتر التي أدت إلى ظهور جيل جديد من الأنظمة التي تنافس القدرات البشرية أو تتفوق عليها في مجالات أو مهام محددة، وهذه التطورات سوف تغير طريقة الحياة والعمل واللعب.

 

ومع بروز الذكاء الاصطناعي للواجهة بات العلماء يعملون على توظيف هذا الذكاء لمصلحة البشرية، حيث باتت صناعة الأجهزة والمعدات من معادن، وأسلاك، وخلايا إلكترونية، الشغل الشاغل لهم، ضمن قدرات وإدراك البشر طبعًا، كما ينظر العالم إلى الذكاء الاصطناعي نظرة اقتصادية بحتة؛ إذ تشهد أسعار الحاسبات انخفاضًا مستمرًا بمعدل 12.5 % سنويًا، وتشهد أسعار البرامج ارتفاعًا حتى بلغت ما نسبته 80% من إجمالي تكلفة مراكز المعلومات.

 

ويرجع اهتمام الإنسان بالذكاء الاصطناعي إلى خفض التكلفة سواء على مستوى المعدات أم البرامج؛ لأن برنامجًا مكتوبًا بلغة الجيل الخامس لا يتطلب أكثر من كتابة أو تسطير عشرة إيعازات ويحتاج  البرنامج نفسه لعشرة أضعاف هذا العدد إذا كتب باللغة التقليدية الشائعة، وهذا سبب كافٍ ومقنع للتوجه نحو الذكاء الصناعي بالكامل مستقبلًا.

 

والعلاقة بين الذكاء الاصطناعي والإنسان متشابكة، فعلماء الحاسوب يرون الذكاء الاصطناعي سبيلًا لتطوير منهجية للعمليات الذهنية أينما وجدت، أو دراسة الذكاء بوصفه عملية في الحاسب الآلي، بينما يرى آخرون أن هنالك ترابطًا بين الذكاء الصناعي والهندسة في هذا المفهوم الجديد للآلة التي تقوم بأعمال تحتاج إلى الذكاء لو قام بها البشر.

 

إن علم الذكاء الاصطناعي علم مركب أو هو جملة علوم مُزج بعضها مع بعض، منها علوم طبيعية وعلوم طبية وعلم نفس ومنطق إلى جانب العلوم الهندسية الإلكترونية وعلوم وظائف الأعضاء والرياضيات العليا، وكل هذا أُدرج مع الحاسبات الإلكترونية فائقة السرعة، أملًا في إيجاد حلول لكافة المشكلات التي تعاني منها البشرية.

 

ومع الانتشار السريع للذكاء الاصطناعي في عالم التجارة والأعمال ودخوله كافة مجالات الحياة أصبح  أكثر أهمية واستخداما في مجال الصحة العقلية والخدمات العلاجية النفسية، حيث باتت تطبيقاته توفر خططًا معدة وخططًا فردية تناسب احتياجات كل مسترشد، وهذه التكنولوجيا لا تعطي نظرة عميقة لاحتياجات المريض فقط، ولكنها تساعد كذلك في تطوير إستراتيجيات المعالج وفي أساليب تدريبه.

 

ويمكن الاستفادة من تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي بعدة طرق من أهمها:

 

1. المحافظة على معايير العلاج المرتفعة مع ضبط الجودة: فمع زيادة الطلب على الخدمات وضغط أعباء العمل، تبحث بعض عيادات الصحة العقلية في طرق آلية لمراقبة  الجودة بين المعالجين، ويمكن أن تستفيد من تطبيقات الذكاء الصناعي في وضع خطط الجودة ومراقبة العلاج في كافة مراحله.

 

2. تدقيق التشخيص والإحالة للمعالج المناسب: يساعد الذكاء الاصطناعي الأطباء على اكتشاف المرض العقلي في وقت مبكر واتخاذ خيارات أكثر دقة في خطط العلاج. ويعتقد الباحثون أنه يمكنهم استخدام  البيانات لجلسات علاج أكثر نجاحًا، عن طريق المساعدة في مطابقة العملاء المحتملين مع المعالجين المناسبين، وتحديد أي نوع من العلاج سيكون أفضل للفرد.

 

3. مراقبة تقدم المريض وتعديل العلاج عند الضرورة: فبمجرد العمل مع معالج ما، هناك حاجة لمراقبة تقدم المريض وتتبع التحسينات. ويمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في تحديد متى يجب تغيير العلاج أو ما إذا كان الوقت قد حان لمعالج مختلف. على سبيل المثال، يستخدم تطبيق Lyssn خوارزمية لتحليل الكلام بين المعالجين والعملاء للكشف عن مقدار الوقت الذي يقضيه العلاج البنّاء مقابل الدردشة العامة أثناء الجلسة لإجراء تحسينات.

 

4. استخدام العلاج السلوكي المعرفي )CBT  ( بدلاً من الأدوية: حيث ازداد استخدام العقاقير لعلاج مشاكل الصحة العقلية مثل الاكتئاب، فقد ارتفع -على سبيل المثال- عدد المرضى في إنجلترا الذين تم وصف مضادات الاكتئاب لهم في الربع الثالث من 2020-2021 م بنسبة 23٪ مقارنة بالربع نفسه في 2015-2016م، وفقًا لـ NHS. ومع ذلك قام المعهد الوطني البريطاني للتميز في الرعاية الصحية )NICE(مؤخرًا بتحديث إرشاداته لتشجيع استخدام العلاج المعرفي السلوكي قبل العلاج بالعقاقير في حالات الاكتئاب الخفيف.

                                                                      

 

                                                                          د. منيرة حمد العتيبي

 

                                                                          قسم علم نفس إرشادي

 

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA