بينما كانت إحداهن تتكئ على أريكتها المفضلة بالمنزل، وتقلب شاشة جهازها المحمول، و إذا بها تسمع صوت سقوط وتهشم قطعة زجاجية، هرولت مسرعة وإذا بعاملة المنزل تحمل الصينية التي سقط منها كوب القهوة وقد جف ريقها و احتبست أنفاسها وتراكمت الغصات غصة فوق غصة وغصة، لتشكل غيمة من المطر؛ عفوًا! كنت أقصد من الدموع التي تحركها شارة ردة فعل سيدتها، فما كان جواب سيدتها إلا أن قالت في علو و أنفة: «كسرتيه الله لا يبارك فيك، وحتى تتعلمي مرة أخرى سأخصم من راتبك ١٠٠ ريال قيمة هذا الكوب»، ومضت السيدة وهي تكرر في نفسها عائدة لمتكئها «صحيح أن الكوب من محلات )أبو خمسة( ولكن بعض الناس لا تمشي إلا بهذه الطريقة»، ثم أخذت نفسًا عميقًا وعادت تقلب شاشة الجهاز، وبعد سويعات وإذا بصديقتها تضع صورة لقطعة إكسسوار باهظة الثمن معلقة: «الغالي يرخص لي» فردت صاحبتنا قائلة: «والله ما يجيبها لك أحد غيري»، ثم صورت الشاشة ووضعتها أمام الملأ مع رمز القلوب الذي يتطاير حتى يكاد يصل عنان السماء.
أحبتي إن السرد السابق يتكرر كثيرًا في مواقف حياتنا اليومية، في البيت، والسوق، والمدرسة، ومكاتب العمل وغيرها من الأماكن الأخرى، بل قد يسبب كثيرًا من المشكلات بين المرؤوس ورئيسه، والعامل وسيده، و المربي ومن هم تحت يديه، ويجعل المرء يتأمل و يسأل ماذا يحدث؟ ولماذا يحدث هذا النوع من التناقض الذي يتسبب في كثير من المشكلات والصراعات التي لا حد لها ولا حصر؟ ولكن العلم يجيب بأن هناك ما يسمى بازدواجية المعايير في التعامل مع النفس والآخرين، ومحور حديثنا هو الثاني وأقصد به «ازدواجية المعايير في التعامل مع الآخرين» بشكل أساسي، المعايير المزدوجة تحدث عندما يتم التعامل مع شيئين أو أكثر، مثل الأفراد أو المجموعات بشكل مختلف عما يجب معاملتهم به، على سبيل المثال يمكن أن تتضمن المعايير المزدوجة معاملة موظفين متشابهين بشكل مختلف بعد أن يقوما بالأداء نفسه، من خلال معاقبة أحدهما ومكافأة الآخر، على الرغم من عدم وجود سبب وجيه للقيام بذلك.
يستخدم الناس معايير مزدوجة سواء عن قصد أم عن غير قصد لأسباب مختلفة، بالرغم من كونها تبعد الشخص عن الاتزان النفسي والسلوكي، فتجده يجمع النقيضين سواء معك، أم معك ومع غيرك فتراه يرفعك تارة ويوبخك تارة أخرى، وفي الحقيقة أننا بوصفنا بشرًا نعيش هذا النوع من الازدواجية بوصفها جزءًا من تكويننا النفسي، ولا إشكال في ذلك، ولكن الإشكالية تقع حينما تتعدى هذه الازدواجية أسوار أنفسنا وتتخطى الحواجز لتصل لحدود الآخرين وحينها ينشأ ألف بأس وبأس.
وأختم بموقف جميل حصل للشاعر مصلح بن عياد الشلوي مع عامله اليمني، حيث كتب شعرًا يرد فيه على إخوة العامل حينما ظنوا أن الشاعر يتناقض في تعاملاته مع أخيهم قائلًا:
وأليا تحاسبنا معه وانتهينا
ما عندنا باره ولا هوب باير
وأليا مشى من عندنا ما نسينا
يدرج تقول ملحم ٍ فيه واير
ابن اليمن غالي ومنّا وفينا
أصله وفصله من شيوخ وعشائر
لي تكدر خاطره ما سلينا
من ضيقته ضاقت علينا الدواير
هذي طبيعتنا على من ولينا
ما هو بطبع مفتشين الصراير
د. قمرة بنت حطاب السبيعي
نائب مدير برنامج الطلبة المتفوقين والموهوبين
إضافة تعليق جديد