الذكاء الاصطناعي بين متطلبات الحاضر وخطورته المستقبلية

 

 

كانت نظرة البشرية إلى الذكاء الاصطناعي منذ عدة عقود فقط ضرباً من الخيال، رأيناه كثيراً في مقالات الخيال العلمي في الستينات وما قبل ذلك، وأفلام الخيال العلمي التي كانت تتحدث عن الصراع بين الآلات والبشر منذ عدة أعوام وحتى الآن، ولم يكن في الحسبان منـــذ خمسون عاماً أي توقع للأحــــــــــداث الجارية الحالية، وأن يكون الذكاء الاصطناعي فعلا هو أساس التنمية السلمية الواعدة، بل قد يكون أساساً للحروب القادمة.

 

لقد أصبح الذكاء الاصطناعي مجالاً لسباق التسلح بين الدول المتقدمة واستخدامه في جميع مجالات التنمية، رأينا ذلك في نماذج لآلات أو لحيوانات بكل من اليابان والصين والكوريتين يحركها الذكاء الاصطناعي لتقوم بحراسة المباني، أو لخدمة المرضى في المستشفيات وأحياناً إجراء جراحات دقيقة جداً للإنسان أو للحيوان وبنجاح ساحق وبدقة متناهية، ناهيك عن الاستخدامات المختلفة في مجالي الزراعة والصناعة والتسويق، وفي مجال صناعة السيارات ذاتية القيادة، بل تخطى الأمر أكثر من ذلك ليحتل الصدارة حالياً في إنتاج بحوث مستقبلية في شتى المجالات العلمية في الطب والعلوم والهندسة وكذلك في العلوم الإنسانية، حتى أن أحد الأساتذة الجامعيين والأكاديميين أجرى تجربة فريدة من نوعها باستغلال أحد مواقع الذكاء الاصطناعي في إعداد بحث وتقديمه لدار نشر ولجان الترقية، والغريب أن البحث نال إعجاب الدار ولجان الترقية لدقته وإتقانه وعدم الاقتباس وحداثة المراجع وغيرها من المميزات، فهل يمكن لنا أن نصدق ذلك؟ وبالطبع يمكن ضم هذه النقطة لما يمكن أن تكون عليه مدى خطورة الذكاء الاصطناعي في رسم مستقبل البشرية، وهناك مواقع أخرى للذكاء الاصطناعي موجودة حالياً يتم فيها إدخال أي صورة أبيض وأسود لجد من الأجداد ليحولها إلى صورة ملونة طبيعية، كذلك إدخال صور المومياوات المصرية بشكلها المحنط الحالي ليعطي لنا الذكاء الاصطناعي ملامح الشخص المحنط تماماً منذ آلاف السنين كما لو كان يعيش بيننا، بل وتدخل فيه صورة طفل صغير ليعطي صورته حينما يكون في السبعينات أو أكثر وبأسلوب متقن جدا وبدقة عالية نادراً ما تخطيء، وهناك مواقع أخرى يُستخدم فيها الذكاء الاصطناعي تعطي له الصور أو الفيديوهات ليضع له لحن ملائم ويحوله إلى فيلم وثائقي في أقل من دقيقة ودون أي تدخل بشري.

 

 

 

إننا أمام تطور مذهل وما نذكره الآن بعض من كل، فالآن تقوم العديد من الآلات التي تتمتع بالذكاء الاصطناعي بأشياء يؤديها العقل البشري، ولكنه فاق ذلك ليتم تعلّمه وتنمية ذكائه بنفسه، وليحقق الأهداف المرجوة على أكمل وجه ودون أي تدخل بشري، بل ويعطي مؤشرات وتنبؤات مستقبلية وأحياناً اكتشافات جديدة  لم يصل إليها العقل البشري نفسه، وبناءً على المعطيات المقدمة له، وبنسبة خطأ صفر في التنفيذ وبدقة متناهية، وهو يعمل بدون كلل على مدار 24 ساعة متتالية، ويمكنه تنفيذ مهام شديدة الخطورة على البشر، أو لا يستطيعون تنفيذها مثل نزع فتيل قنبلة، أو تطوير برنامج نووي فعلياً، أو اكتشاف أعماق أعماق البحار، ودراسة البراكين عن قرب دون أذى.

 

هل نعلم أن الذكاء الاصطناعي يستخدم كذلك في زيادة الانتاجية في الصناعة والزراعة والشركات والمصانع بكفاءة مطلقة؟ والتعامل ببراعة مع البيانات الضخمة، كل هذه الميزات تجعله من أساسات متطلبات الحاضر والمستقبل معا، غير أن مخاطره قد تكون أكثر من ذلك بكثير إن لم يراعى ذلك في أساسيات تطويره.

 

إن الذكاء الاصطناعي قد يؤدي إلى زيادة أعداد البطالة بين البشر؛ وبالتالي زيادة النواحي الاجرامية وهدم كثير من المجتمعات العمّالية والصناعية، كما أنه لا يوجد لديه عاطفة في التعامل مع الأزمات والمخاطر التي قد تصيب بعض البيئات أو البشر، وبالتالي فقد تكون هناك مجازفات كبيرة عند استخدامه في بعض الحالات، كما أنه لا يوجد لديه بُعد أخلاقي في تعاملاته، ولا يوجد لديه قدرات إبداعية لإنتاج الإبداع والابتكار في المجالات المختلفة، فسبحان من خلق العقل البشري  القادر على الابتكار والإبداع والتأليف بين الأشتات المختلفة لينتج شيئاً جديداً.

 

 

  وكان من الطبيعي جدا والمنطقي كذلك المناداة بتدريس الذكاء الاصطناعي داخل مناهجنا العربية، لأنه يمثل المستقبل الواعد والتطوير المستدام، بينما علينا أن نتوخى الحرص في تجنب عيوبه حتى لا تتنحى الانسانية في منحنى قاتم إذا استخدم على وجه سيء يمكن أن يطفئ بريق الأمل لدى الشباب بهذه الأمة.

 

إننا نحتاج إلى دراسات وافية كافية عنه وعن مستقبله واستخداماته المختلفة التي تساعدنا في النمو والتطور المعرفي والاقتصادي والتطبيقي، نحتاج داخل مملكتنا الحبيبة وأمتنا الاسلامية أن نحدد وبدقة متناهية مميزاته وعيوبه؛ لنتمكن من استخدامه بالاستفادة القصوى منه في مستقبل متطور ينتظر منا تغيراً مستمراً مع وضع قواعد وقوانين وأطر للاستخدام الأمثل له في مجتمعاتنا العربية.  

 

 

 

            د. هشام عبد الغفار 

 

    أستاذ تعليم وتدريس الرياضيات المساعد

 

               قسم العلوم الأساسية

 

عمادة السنة الأولى المشتركة

0
قم بتقييم هذا المحتوى

إضافة تعليق جديد

التحقق البصري
This question is for testing whether or not you are a human visitor and to prevent automated spam submissions.
Image CAPTCHA